ولنسائها نصيب من الجمال والبياض وخصب البدن. وسواد العين والحاجبين معدوم عندهم ، والنادر لا حكم له. فلذالك يزين نساءهم لبس السواد ويواتيهن أكثر من غيره من الألوان ، ويحسن أن ينشد هنا في ذالك :
رأيتك في السواد فقلت بدر |
|
بدا في ظلمة اليل البهيم |
وألقيت السواد فقلت شمس |
|
محت بشعاعها ضوء النجوم |
ومما يحكى أنه قدم تاجر إلى المدينة يحمل من خمر العراق ، فباع الجميع إلا السود ، فرفع قضيته تلك إلى الدارمي (١). وكان الدارمي قد نسك وتعبد فعمل بيتين ، فأمر من يغني بهما في المدينة ، وهما :
قل للمليحة في الخمار الأسود |
|
ماذا أردت بزاهد متعبد |
قد كان شمر للصلوة إزاره |
|
حتى قعدت له بباب المسجد |
فشاع الخبر في المدينة أن الدارمي قد رجع عن زهده وتعشق صاحبة الخمار الأسود ، فلم تبق بالمدينة مليحة إلا اشترت لها خمارا أسود. فلما أنفذ التاجر ما كان معه من الخمر السود ، رجع الدارمي إلى تعبده ، وعمد إلى ثياب نسكه فلبسها.
وليس عندهم الغزل والتشبيب والتعشق إلا في النساء ، ولا يميلون إلى الغلمان والأحداث ، وذالك عندهم عيب كبير ، وفيه العقوبة ولو كان برضاهما. بخلاف عشق النساء والخلوة بهن ، فإن ذالك إذا كان عن رضى منها لا يتعرض لهما متعرض ، ولا يلزم فيه شيء عندهم. لاكن فاعلوه عندهم ساقط المروءة ناقص العرض ، وخصوصا الفاعلة ، فإنه لا يبالى بها ، ويستنكف أهل المروءة من الكلام معها والسلام عليها ولو لغير ذالك القصد ، وإن كان ذالك مباحا إذا كان برضى الجميع.
__________________
(١) ومعناها هنا الرجل الزاهد أو الناسك المتعبد (المعرب).