عن يمينه. فيأتون أولا بالمرقة المعروفة عندنا بالشربة ، وهم يتفننون فيها ، تارة ، يركبونها من النباتات مع مرق اللحم ، وتارة من الدقيق مع نحو فداوش ، فيشربها بتلك الملعقة. فإذا فرغ رفع الخادم الطبسيل الذي كانت فيه والملعقة التى أكلت بها ، ويأتيه بطبسيل آخر نظيف. ثم يأتي الخادم بماعون كبير فيه لحم أو سمك أو دجاج أو غير ذالك ، بعد أن يقطعه قطعا صغيرة ليسهل تناول البعض منه. وفيه ملعقة يغرف بها منه أو غيرها من الآلات التي يؤخذ بها ذالك الطعام ، فيعرضه على الجالسين ، فإن اشتهاه أخذ منه أو أمر الخادم أن يغرف له منه ، وإلا صرفه عنه قائلا له مرسي (١) ، ومعناها كثر خيرك ، وهذا من آدابهم حتى مع خدامهم.
فإن كان المأخوذ مثل اللحم ، فإنه يمسك الشوكة بيده اليسرى والسكين بيده اليمنى ، فيغرز الشوكة في اللحم ويقطع بالسكينة ويرفع إلى فمه ، ولا يباشر بالمس باليد ، فإن ذالك عندهم من القذر. وإن كان فاترا من الملح ، فيجد آنيته حذاءه فيجعل فيه من الملح على قدر ما يريد ، وكذالك الفلفل إن احتاج إليه. وهو في خلال ذالك يقطع من الخبز بيده ، فإن أراد أن يودمها ركزها في الشوكة وءادمها ، وإلا رفعها إلى فيه بيده. وإن كان الطعام يحتاج للزيت والخل ، فلهم أيضا زجاجتان في أحدهما خل وفي الأخرى زيت مشتركتان في لوحة ينزلان فيها وتمسك بمخطاف صغير ، فإذا وضع الطعام الذي يحتاج لذالك ، أتبعه الخادم بالزيت والخل ، فإذا فرغ من أكل ما نصب له ، رفع الخادم الطبسيل وما تنوول به الطعام وأتاه بغيره نظيفا ، وهكذا في كل أكلة. ولذالك يعدون ما ذكر من الطباسيل وما معها ، لأنهم يبدلونها في كل طعام حتى لا يأكل ثانيا فيما أكل فيه أولا ، وهذا من مبالغتهم في النظافة.
ولهم في الأطعمة ترتيب معلوم ، فيقدمون أولا أنواع المطبوخات من لحم وغيره ، ثم يتبعونها بأنواع المشويات من دجاج وغيره ، ثم يختمون بالفواكه والحلاوات. ويبتدءون في كل نوع ، بما سهل هضمه وخف على المعدة حمله ، فيقدمون السمك والدجاج على اللحوم ونحو ذالك ، ويفصلون بين كل نوع والذي يليه بفاصل. وعلامة انقضاء المطبوخ وابتداء المشوي أن يأتوا بينهما بأكواس فيها بيض معقود بسكر ودقيق وحليب يجعلونه في الثلج حتى يصير مثله في البرودة. وعلامة نزول الفواكه أن يبدلوا شكل الطباسيل وما معها ، فينزلون طباسيل رقيقة الشكل ظريفة ،
__________________
(١) بالفرنسية (merci).