وقال الشاعر :
كما يخلق الثوب الجديد ابتذاله |
|
كذا تخلق المرء العيون اللوامح |
وأيضا فلا نهتدي للذهاب لموضع وحدنا لعدم معرفتنا البلد واللسان ، فلم نكن نخرج إلا بقائد وسائق ، فلنا عذر في عدم استقصاء أخبار هذه المدينة وأخبار أهلها.
ولما دخلنا هذه المدينة ، أنزلونا بدار كانوا أعدوها لنا بالمحل المعروف عندهم بالشمزليزي المتقدم ذكره ، ومعنى هذه الكلمة عندهم رياض الجنة. وهو من منتزهاتهم ومحال فرجاتهم وتماشيهم ، وبه أشجار حسنة الشكل والترتيب والتصفيف ، وأحد جانبيه متصل بالنهر ، وابتداؤه من رياض السلطان وانتهاؤه إلى قوس عال لهم هناك كان بناه بونابرط (١). فطوله ما يزيد على أربعة ستة آلاف خطوة (٢) ، ومع طول مسافته فإنك إذا وقفت في ابتدائه ترى انتهاءه قبالة عينك في غاية من الاستقامة والاستواء. فاختاروا لنا هذه الدار في هذا المحل ، لأنه من أشرف محالهم. وإذا كان يوم مشمش خصوصا إذا كان يوم الأحد فإنه يوم بطالتهم ، فلا يبقى أحد في المدينة إلا جاء لهذا الموضع يتماشى فيه ويستريح مع من يليق به من رفقائه ، إما في الأكداش وإما على رجله. وكثير منهم يأتي إليه في الكدش ، فإذا وصله نزل وترك الكدش ينتظره ، وذهب يتماشى على رجليه حتى يقضي غرضه ويركب ، ويرى فيه وقتئذ من بنات الروم ما يلهي ويدهي.
ولما دخلنا لهذه الدار ألفيناهم قد هيئوها لنا بأحسن ما عندهم ، قد قصروها علينا لا يدخلها إلا نحن وخدمنا ، وليست بوصاضة (٣) كسائر ديار النزول لمطلق الناس.
__________________
C. E. Bosworth," The Persian Impact on Arabic Literature", in A. F. L. beeston et al., eds., Arabic Literature to the End of the Umayyad Period) Cambridge, ٣٨٩١ (, p. ٨٨٤; EI ٢, s. v." Ardashir".
(١) انطلقت أشغال بناء قوس النصر المعروف تحت اسم أرك دو تريومف :(Arc de Triomphe) في باريز ، على عهد نابليون سنة ١٨٠٦ ، وانتهت في ١٨٣٦.
(٢) وتعادل الخطوة مترا واحدا تقريبا.
(٣) انظر الهامش رقم ٢ في الصفحات السابقة من هذا الكتاب.