وجعلوا بها من الفرش الرفيعة والمواكن (١) النفيسة والثريات المضيئة والخدم المطيعة ، ما ينبئ عن عظيم منزلتنا عندهم. وأجروا علينا سائر ما نحتاج إليه من مأكول وغيره ، حتى الأكداش هيئوها لنا بالخصوص لنركب فيها إذا خرجنا ، متى احتجناها كانت حاضرة. وكانوا ينفقون علينا كل يوم في الأكل وغيره ، نحو مائتي ريال (٢). وجعلوا لنا من الخدمة نحو عشرين ، كل له شغل خاص. وانتخبوا لرئيسنا بيتا هو أرفعها وأنفسها أثاثا ، وجعلوا لنا بيتا للاجتماع. ولكل اثنين أو ثلاثة بيت للنوم والاستراحة ، كل واحد بفراشه وما يحتاج إليه. وفي كل بيت من هذه البيوت ، سائر ما يحتاج إليه من آلات الكتابة وأواني الماء وكراسي الجلوس.
فمكثنا يوم الدخول ، ومن الغد بعث لنا سلطانهم لنأتيه في عاشرة النهار ، فتهيأنا لملاقاته. فلما كان من الغد بعث لنا قائد مشوره (٣) ومعه جلنار (٤) آخر. وبعث إلينا بأربعة اكداش ، فقدم أكبرها يجره عشرة من الخيل ليركب فيه رئيسنا ، موشى بالحرير والديباج من ظاهره وباطنه. ثم آخر يليه يجره ثمانية من الخيل لبعض الخواص ، ثم الثالث ثم الرابع على اختلاف مراتب أصحابنا. لاكن الجميع في أحسن ما يكون ، ولها مشعرة بالتعظيم ورفع المنزلة ، فركب كل واحد منا كدشه وسرنا.
__________________
(١) انظر الهامش رقم ٥ في الصفحات السابقة من هذا الكتاب.
(٢) أو ما يعادل ألف فرنك ، وهو مبلغ كبير. وذكر بوميي (Beaumier) في رسالة له ، أن تكاليف وجبات الغذاء كانت تصل لوحدها إلى حوالي ستمائة فرنك في اليوم الواحدAAE / ADM / Voyage. ، من بوميي إلى أصدقائه ، دون تاريخ.
(٣) انظر الدراسة ، الهامش قم ١٠١. نقلت الأخبار المتعلقة بتفاصيل الاستقبال الملكي لأعضاء البعثة عبر رسالة وجهها أشعاش إلى أخيه في تطوان ، فأبلغها هذا الأخير إلى البلاط السلطاني ، انظر : (الملحق رقم ٢) ، رسالة عبد القادر أشعاش إلى أخيه عبد الله ١ محرم ١٢٦٢ / ٣٠ دجنبر ١٨٤٥ ، وهي محفوظة بمديرية الوثائق الملكية تحت رقم ١٧٥٧٩. وكتبت تلك الرسالة بخط محمد الصفار ، كما أنها تحكي تفاصيل الاستقبال في قصر الملك الفرنسي أسلوب مشابه لمثيله الوارد في الرحلة ، مما قد يوحي بأن الصفار وأشعاش قد اشتغلا معا في تحرير أجزاء معينة على الأقل من الرحلة.
(٤) ضابط عسكري من رتبة عالية ، وترد هكذا «جلنار» أيضا في المراسلات المخزنية خلال القرن التاسع عشر (المعرب).