يطبعون بها مسامير من قزدير أسفلها غليظ وأعلاها مشحوذ وفيه الحرف ، منها ما هو حرف واحد ومنها ما هو حرفان متصلان. إذا كانا يكتبان كذالك ، فيعمد إلى الحروف الذي يريد أن يكتبها ويجمعها في لوحة على مقدار الورقة المطبوعة ، وينزلها مرتبة بسطورها على كيفية الرسم ، ويشدها في اللوحة ببعضها بعضا بئالة حتى لا يختل ترتيبها ، فتكون محكمة في اللوحة ، ثم يطليها بالمداد وينزل عليها الورقة ويعصرها بزيّار (١) فتخرج الورقة مكتوبة كلها. هذه الإشارة إلى كيفيتها في الجملة ، ولنذكر ما رأينا في هذه الدار تفصيلا.
فأول ما دخلنا بيت فيه أفران ومعلمون يفرغون الحروف. والإفراغ يكون في قالب من نحاس على قدر ذالك المسمار ، والحرف محفور في أسفل القالب هكذا مثلا س لحرف السين. فإذا دخل القزدير المذاب في القالب ، فإنه يخرج بذالك الحرف في رأسه ، لاكنه في أسفل القالب مستقيم ويخرج في المسمار معكوسا ، فإذا طبع به جاء الطبع مستقيما كما هو الشأن في كل طابع. وهذا عمل هاؤلاء يفرغون الحروف على اختلاف أشكالها عربية وعجمية ، وينزلونها صبة واحدة.
ثم بعدهم بيت آخر فيه عملة وخدام أكثر من الأولين ، عملهم تصويب تلك الحروف بإصلاحها وتمليسها وتسويتها وإزالة الشناقيب التي تخرج في جوانها ، وهكذا تصير في أحسن تقويم مستقيمة متساوية. بحيث إذا أنزلت في لوحة الطبع ورتبت يكون سطحها شيئا واحدا ، ليس فيها أعلا ولا نازل ليستقيم بها الطبع ولا يخطئ حرف موضعه. ثم بعدهم عملة آخرون يفرقون الحروف من بعضها بعضا ، وينزلون
__________________
Abdulrazak, The Kingdom of the Book : The History of Printing as an Agency of Change in Morocco between ٥٦٨١ ـ ٢١٩١) Unpublished Ph. D. dissertation, Boston University,) ٠٩٩١ (.
وانظر تعريبنا لهذه الأطروحة : فوزي عبد الرزاق : مملكة الكتاب : تاريخ الطباعة في المغرب ، ١٨٦٥ ـ ١٩١٢. تعريب خالد بن الصغير ، صدرت ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ، سلسلة نصوص وأعمال مترجمة ، رقم ٣ ، ١٩٩٦ (المعرب) ؛ وانظر أيضا فوزي عبد الرزاق ، المطبوعات الحجرية في المغرب (الرباط ، ١٩٨٩) ، وفيه لائحة كاملة بجميع المطبوعات الحجرية الصادرة في فاس.
(١) المقصود بها هنا أداة للضغط المحكم ، ٦١٨ : ١Dozy ، (المعرب).