يحدث مواجهة أكبر حجما مجد خلالها تجربته مرات عديدة. وتمثلت خلفيات رحلته في أحداث ووقائع أدت ، بشكل عميق ، إلى قلب التصور الذي كان لدى النخبة الحاكمة في المغرب عن قوتها إزاء الغرب رأسا على عقب. وفي الواقع ، كانت الرحلة في حد ذاتها جزءا من ذلك المجهود الذي استهدف القيام بمحاولة لتصحيح الخلل والتبصر بمعرفة الأسباب الكامنة وراء الإخفاقات. وقد تميز العصر الذي عاش فيه كاتب الرحلة بالقلق الذي انتاب المغاربة من قدرتهم على مواجهة الغرب المتحكم في جميع مقومات التفوق العسكري. كما تميز أيضا بوجود تخوفات كبيرة من وقع القضايا الخارجية وخطورة تأثيرها على الأحوال الداخلية لنظام اتسم بهشاشته. وكانت هذه القضايا العريضة مطروحة مسبقا قبل الرحلة. وقد ارتأت لجنة التحكيم أن كلا من تحقيق الرحلة ودراستها التي قامت بها الباحثة الأميركية سوزان ميللر ، وتعريب الدراسة والتحقيق بالعربية يستحقان بامتياز جائزة ابن بطوطة لتحقيق المخطوطات ، ويعتبر العمل الذي قاما به إثراء بينا للثقافة العربية.
* النفحة المسكية في السفارة التركية ١٥٨٩
علي بن محمد التمكروتي
تحقيق وتقديم : محمد الصالحي
اختارت لجنة التحكيم هذا النص لجائزة ابن بطوطة لتحقيق المخطوطات لتمتع تحقيقه بالشروط العلمية واستيفائه هذه الشروط باقتدار علمي.
رحلة مرآوية ، يتقابل فيها السّفر واللغة. اللغة مرآة السّفر. والسّفر مرآة اللغة. لم يسع التمكروتي في سفارته ما بين المغرب والمشرق وهو مندوب السلطان المغربي أحمد المنصور الملقب بالذهبي ، للقاء السلطاني العثماني مراد الثاني ، إلى وضع ذاته في صلب رحلته ، ولا إلى جعل هذه الذات المرآة التي تنعكس عليها الجغرافيا والتمظهرات الثقافية العامّة من عمران وعادات. ولا سعى التمكروتي ، وهذا هو المدهش ، في هذه الرّحلة ، إلى اكتساب بطولة أو إعلاء شأن الذّات المغامرة. بل عكس كل ذلك سعى إلى تثبيت صورة الفقيه الملفّع بعباءة الأدب ، والأديب الملفّع