الخارجية بالاعتماد في ذلك على قناصل مقيمين في مختلف أرجاء المعمورة ، فإن غالبية الدول الإسلامية بما فيها المغرب ، لم تكن تعتمد ، إلى حين حلول العصر الحديث على وجود هيئة دبلوماسية محترفة ، ولم تكن دشنت بعد مسطرة إنشاء السفارات الدائمة خارج حدودها. وجرت العادة دائما على إسناد مهمة القيام بالمفاوضات إلى مبعوثين خاصين يختارهم حاكم البلاد ، فيتوجهون في رحلتهم إلى الخارج لتنفيذ المهام المنوطة بهم ، ثم يعودون إلى بلدهم الأصلي بمجرد إنهائها. ومع ذلك ، فإن وقوع الاختيار على شخص ما ليكون مبعوثا إلى بلد أجنبي ، كان تشريفا حقيقيا وكبيرا له. ومن ثم فإن وقوع الاختيار على شخص ليتوجه في مهام دبلوماسية كان أمرا مرغوبا فيه بل كان الناس يتهافتون على الفوز بتلك الحظوة. وفي ذلك الإطار ، ما لبثت أن شاعت فكرة اقتناع السلطان وعزمه على توجيه مبعوث عنه إلى فرنسا ، حتى أصبح موضوع انتخابه للشخص المناسب موضوعا للكثير من التخمينات والأقوال المتضاربة.
بلغ ليون روش ، عن طريق مخبريه الموجودين داخل القصر السلطاني ، أن موضوع السفارة أصبح حديث الساعة وأن ألسنة الجميع قد أصبحت منشغلة به. وكان لكل فريق مرشحه الخاص به ؛ إذ جاء في تقرير للقنصل الفرنسي بطنجة إيدم دو شاستو (Edme de ch teau) ، أن «ابن إدريس اقترح مرشحا واحدا ، وأن بوسلهام اقترح واحدا غيره ، في حين كان الإمبراطور يميل إلى اختيار أحد أثرياء تجار فاس» (١). وقد حاول ليون روش التأثير على السلطان حتى يقدم على اختيار مبعوث جيد ، فعمد إلى التذكير بأيام السلطان المولى إسماعيل والملك لويس الرابع عشر ، حينما اتسمت العلاقات بين بلديهما بمظاهر «العظمة والأبهة ، والنتائج الطيبة» ، فبذل قصارى جهده لحث المغاربة على تعيين «شخص تجتمع فيه جميع الصفات
__________________
(١) AAE / CPM ٤١ / ٣٨ ـ ٤٨ ، دو شاستو (de Chasteau) إلى كيزو ، ٣ غشت ١٨٤٥. في البداية أشار الفرنسيون إلى ترشيح كل من مصطفى الدكالي وأحمد التمسماني ، وهما تاجران ولهما علاقات قوية مع الخارج. غير أن نية السلطان لم تكن كذلك. وحسب مضمون إحدى الرسائل المحفوظة بمديرية الوثائق الملكية ، فإن السلطان كان يفضل مبعوثا له «عارفا بأمور المخزنية ليس واحدا من التجار». رسالة ابن ادريس إلى بوسلهام ، ١٤ رجب ١٢٦١ / ١٩ يوليوز ١٨٤٥. مسجلة تحت رقم ١٧٥٧١.