بالجياني. يجهل كل شيء عن تاريخ ولادته كما هو شأن المعاصرين له ، وعن فصول حياته الأولى ، مع أن البيت الذي شهد ولادته ما يزال قائما إلى اليوم في تطوان. وهو مسكن بسيط من طابقين ، لا تحتوي جهاته الداخلية على أي من مظاهر الزينة التي عادة ما تتميز بها دور الأثرياء (١). وتوحي بساطة البيت بأن أسرة الصفار كانت متواضعة ، وربما كانت غنية من ثقافتها وأصلها المتميز ، لكنها لم تكن على حظ من الثروة المادية.
حلت أسرة الصفار بمدينة تطوان رفقة الجموع المهاجرة فرارا من حروب الاسترداد الإسبانية ، عند نهاية القرن الخامس عشر ، للالتحاق ببقية المسلمين الأندلسيين الذين أعادوا بناء مدينة تطوان ، واتخذوها قاعدة للانطلاق منها وشن هجمات مضادة على إسبانيا والثغور الأجنبية المجاورة لسبتة وطنجة. ثم هاجر جزء من الأسرة إلى فاس ، غير أن الفرع التطواني منها تجذر وترعرع في أحضان تلك المدينة المغربية الشمالية وربوعها. وتعتبر الصورة التي كانت لدى محمد الصفار عن تطوان مسقط رأسه ، والأحاسيس الشاعرية التي انتابته عند مغادرته إياها ، دليلا قاطعا على مدى ارتباطه العميق بها (٢).
إن لكل مدينة مغربية خصوصياتها الفريدة ، ولا تستثنى تطوان من ذلك. إذ أنها تمتد على هضبة واقعة بين الجبال والبحر الأبيض المتوسط ، وتميل في وجهتها إلى الأراضي البرية الداخلية أكثر من انفتاحها على البحر. وعلى امتداد قرون عديدة ، التحق بالعناصر المنحدرة من الأصول الأندلسية العريقة ، سيل من سكان الجبال الوافدين من الريف أو من منطقة جبالة ، والذين جذبتهم تطوان إليها بأسواقها النشيطة وبساتينها اليانعة المعطاء. وإذا كانت المرسى المجاورة لها في مارتيل تعرف اليوم ركودا مطلقا ، فإنها قد عاشت فيما مضى حركة تجارية دائبة. وعلى الرغم من أنها لم ترق إلى رتبة المرسى الرئيسية للبلاد ، فإنها قد شكلت مع ذلك ، صلة وصل بين الطرق التجارية النشيطة في اتجاه الشرق والجنوب. وازدهرت في أحضانها نماذج
__________________
(١) وذلك ما لاحظته سوزان ميلار في عين المكان خلال زيارة قامت بها شخصيا في شهر ماي من سنة ١٩٧٣.
(٢) انظر الصفحات الأولى من متن الرحلة فيما سيأتي.