والذهاب متنقلين بعيدا عن مدينتهم. وكانوا ينطلقون في رحلاتهم مبحرين من مرسى مارتيل في اتجاه مراكز البحر الأبيض المتوسط ، أو غيرها من الجهات النائية. فحل البعض منهم بالجزائر ، ووصل قليل منهم إلى جهات من بلدان أوربا. في ١٢١٢ / ١٧٩٧ نجد التاجر عبد الرحمن مدينة يحصل من أمناء تطوان ، على شهادة تثبت عزمه على «[...] السفر في البحر لبر النصارى لتجارة رائجة إن شاء الله ، فأظهر لشهوده ما بصندوقه من المال ، فكان عنده أربعة آلاف وخمسمائة وسبعون ريالا ونصف ، مع ضبلون عدده ستة وثلاثون ، وعشرون من المطبوع [...]» (١). وقد وصف محمد الصفار الحاج العربي العطار ، أحد أعضاء السفارة المغربية إلى فرنسا ، بالشخص «الماهر بسياسة المخالطات وجوب الأقطار» (٢). وكان أفراد أسرة العطار من مشاهير رجال الأعمال التطوانيين الذين اعتادوا القيام بعمليات تجارية في الخارج. ومن ثم كان التطوانيون يتحلون بحق ، بسمات الفطنة واليقظة المعهودة لدى رجال الأعمال الناجحين ، وهي من الصفات التي غالبا ما اعتقد الناس خطأ أن سكان فاس ينفردون بها انفرادا متميزا عن غيرهم. لكن ـ علاوة على ذلك ـ كانت لديهم تلك المسحة غير المحلية التي جعلتهم متحررين في سلوكهم أثناء تعاملهم مع الأجانب. وكانت تلك الخاصية من الصفات النادرة في الفترات الزمنية الباكرة من مغرب القرن التاسع عشر.
غير أن وجود اتصالات مع الأجانب لا يعني بالضرورة قبولهم ، لأن مدينة سبتة القريبة كانت قاعدة أمامية مسيحية لها احتكاك بهوامش تطوان وأطرافها ، بشكل يجعلها تحس وكأنها يمارس عليها ضرب من الانتهاك العنيف لحرمتها. وكذلك حال طنجة غير البعيدة ، التي كانت مصدرا لعدوى الأجانب (٣). وخلق القرب الشديد
__________________
(١) تطوان ، ٣ : ٢٣٦.
(٢) انظر الصفحات اللاحقة من هذا الكتاب.
(٣) احتلت البرتغال سبتة عام ١٤١٥ ، وظلت منذ ذلك التاريخ في قبضة الأجانب. إذ انتقلت إلى يد إسبانيا في ١٥٨٠ ، ثم أحكم عليها الإنجليز قبضتهم في ١٨١٠ ، فأعيدت إلى إسبانيا عند نهاية الحروب النابليونية. أما طنجة ، مكان إقامة الهيئة الدبلوماسية ، فقد كان بقية المغاربة ينظرون إليها دائما بعين الريبة. انظر :
. A. Rey, Revue des deux mondes," Le Maroc et la question d\'Alger",) ٠٤٨١ (: ٨١٦. ٤٢
وقد ورد فيها مقتطف من كلام للوزير ابن ادريس قال فيه إن طنجة «هي مدينة المسيحين».