من أوربا عند سكان تطوان نوعا من الإحساس المعقد الممتزج بمشاعر الألفة والازدراء في آن واحد. وشهدت المدينة نمو روح نضالية خاصة ، فاعتبر معها العديد من التطوانيين أنفسهم حاملين لواء الجهاد في حرب ضد الاحتلال المسيحي. في سنة ١٧٩١ ، ساند التطوانيون حركة مولاي اليزيد القائم ضد والده سيدي محمد بن عبد الله. وكان السبب الرئيسي الذي حملهم على ذلك ، هو تجاهل هذا الأخير لمسألة الوجود الإسباني في سبتة. وقام مولاي اليزيد بمحاصرة المدينة المحتلة ، وعلى الرغم من فشل جهوده ، ظلت تطوان مخلصة في ولائها له ، في حين نظرت إليه بقية جهات المغرب نظرة احتقار وازدراء (١).
وهناك مصدر آخر شجع أهل تطوان على الارتباط الشديد بروح النضال الإسلامي ومبادئه. إذ كانت تطوان ـ منذ القرن الثامن عشر ـ مركزا لحركة دينية نشيطة مكثفة. وتمحورت تلك الحركة بصفة أساسية حول الزاوية الدرقاوية ، المؤسسة حديثا في منطقة غير بعيدة عن تطوان ، فانتشرت من هناك لتعم بقية أرجاء المغرب. وأصبحت الزاوية الدرقاوية قبلة للزوار ، فترددوا عليها للمشاركة في طقوسها التعبدية من تلاوة ذكر وغناء وجذبة ، وغيرها من الممارسات المعروفة عند مختلف الزوايا والطرق الصوفية المغربية. وما لبثت الزاوية الدرقاوية أن بسطت نفوذها على المدينة. وحين أعلن المولى سليمان ، لأسباب سياسية ودينية ، معارضته الشديدة لتقديس الأولياء ولكل ما يصاحبه من طقوس لدى الزوايا والطرق الصوفية ، أثيرت ضده في تطوان وأحوازها مشاعر العداء. وتبعا لذلك ، لم تتردد كل عناصر التشكيلة الاجتماعية التطوانية ، كرجال الزوايا والعلماء والتجار والأعيان ، في تقديم العون والمؤازرة لخصمه مولاي سعيد. وعمت الفرحة الكبيرة سكان مدينة تطوان حينما بلغهم خبر تنازل المولى سليمان عن الحكم لفائدة ابن أخيه مولاي عبد الرحمن بن
__________________
ويضيف راي معلقا على ذلك بقوله :» Ce n\'est plus le Maroc, ce n\'est pas encore l\'Espagne «، «إنها ليست من المغرب في شيء ، ولكنها ليست بإسبانيا».
(١) تطوان ، ٣ : ١٩١.