الرحلة وعما يتضمنه أسلوبها من تعبير حكائي ، فكانت استفادتي منهما معا لتذليل الصعاب وبلوغ الهدف المنشود.
وذكر الناقد بول فوسيل (Paul Fussell) أن أدب الرحلة فن أدبي يحتوي على نمطين إدراكيين متباينين ، أولهما هو الفعلي والبعيد عن الأوهام ، أي العالم المادي الملموس ؛ وثانيهما هو النمط الخيالي ، الذي يتحول فيه الخاص إلى ما هو عام ، والشيء الحقيقي إلى ما هو تصوري ، كما تتحول فيه الملاحظة إلى تهيؤات. «إن كتاب الرحلة شبيه بقصيدة شعرية في إعطائها دلالات عالمية لنسيج محلي صرف» (١). وكان موضوع اهتمامات فوسيل هو كتابات الرحلات البريطانية في فترة ما بين الحربين العالميتين. غير أن الملاحظات التي أبداها وكذا تعليقاته الصائبة تنطبق بقوة مماثلة على رحلة محمد الصفار. مما يوحي بان أجود نموذج لهذا الفن الأدبي ، وبغض النظر عن خصوصياته الثقافية ، غني بمزايا ذات طابع عالمي مماثل.
ويكتسي السفر إلى أماكن بعيدة للغاية منا ، طابعا سحريا ، بل ويكون بمثابة حدث كفيل بتغيير مجرى حياتنا. وقد أثار الأنثروبولوجيون الانتباه منذ مدة طويلة إلى مدى التأثير الذي يحدثه السفر في السلوك لبشري وعلى القدرات الإدراكية لبني الإنسان ، وخاصة قدرته العجيبة على نقلنا من مستوى ما هو عادي أو «دنيوي» ، إلى مستوى زمان ومكان ما يلبثان أن يصبحا مليئين بخصوصيات «القداسة» (٢). وسواء أكان السفر من أجل المتعة أم كان في إطار القيام بالواجب الذي تفرضه طبيعة العمل ، فإن السفر فترة فاصلة تفرض ذاتها على الحياة اليومية ، وهي فاصلة بين ما
__________________
(١) نفسه ، ص. ٢١٤.
(٢) يذكر نيلسون كرابورن (Nelson H.H.Graburn) كتابات كل من دوركهايم (Durkheim) ، وموس (Mauss) ، وليش (Leach) ، وفان جينيب (Van Gennep) ، معتبرا إياها ذات أهمية خاصة لصياغة المفاهيم المتعلقة بالقدسي والدنيوي في علاقاته مع الرحلة. انظر كتابه :
Nelson H. H. Graburn," Tourism : The Sacred Journey", in Valene Smith, ed., Hosts and Guests : the Anthropology of Tourism, ٢ nd؟ed.) Philadelphia, ٩٨٩١ (, pp. ٤٢, ٦٢.
وانظر أيضا :
V. Turner and E. Turner. Image and Pilgrimage in Christian Culture : Anthropological Perspectives) New York, ٨٧٩١ (, ch. I.