تتميز به هذه الأخيرة من رتابة وما هو مثير للإعجاب. وبالفعل ، فإن مجرد التعاقب الحاصل بين حالتي العادي والخارق للعادة ، قد يصبح مقياسا لمرور الزمن ذاته. وقال نيلسون كرابورن (Nelson Graburn) في هذا الصدد ، بأن التعاقبات المتباينة بين ما هو قدسي ودنيوي ، هي إحدى السبل التي نسلكها لعد مراحل حياتنا وقياسها. إن السفر يساعدنا على تحديد الزمن بالنسبة لأنفسنا ، وذلك بتقسيم الحياة إلى أجزاء منفصلة ومطبوعة بما يمكن تسميته طقوس المغادرة والعودة (١).
إن هذين الحدثين ، أي مرحلة الذهاب أو المغادرة التي غالبا ما تتسم بكونها مؤلمة وموجعة ، ومرحلة العودة المليئة عكس ذلك بالفرح والانشراح ، هما اللذان يحتل السفر موقعا وسطا فيما بينهما ، ويسموان به إلى مستوى الشيء غير العادي. ويؤكد فوسيل على تلك البنية «الثلاثية» التي يتميز بها السرد الروائي للرحلة ؛ إذ يقوم الشخص المركزي ، كما هو حال البطل الرومانسي ، بمغادرة الأشياء المألوفة لديه ويرمي بنفسه نحو المجهول : «أولا ، بداية الرحلة بالانفصال عن المألوف ؛ وثانيا ، محاولات التأقلم والشروع في خوض المغامرة ؛ وثالثا ، عودة البطل واندماجه مجددا في المجتمع» (٢). إن الرحلة لشبيهة بنوع من «الحياة المصغرة ، ذات البداية المشرقة ، ثم وسطها ، فنهايتها ... المطبوعة بطقوس تزج بنا زجا وبلا رجعة نحو العدم» (٣).
ويبدو من خلال رحلة محمد الصفار ، أن الابتعاد عما هو مألوف ، والانتقال إلى حالة ذات مستوى شعوري وفكري أسمى ، أمر واضح لا غبار عليه. وعلى الرغم من كون العالم المغربي بعيدا تماما عن كونه من الوجوه البطولية المغامرة ، فقد كان مع ذلك مقبلا على خوض تجربة مثيرة. ويمكننا من خلال تعابيره معاينة مدى تأثره العميق ، إذ لم يتمالك نفسه حينما أشرف على مغادرة تطوان فجادت قريحته بالبيتين التاليين :
أتطواننا الغراء هل يسعد الدهر |
|
بأوبتنا كيما يعود لنا الوصل؟ |
__________________
(١) Graburn ,"Tourism ",pp.٤٢ ـ ٥٢.
(٢) Fussell ,Abroad ,p.٨٠٢.
(٣) Graburn ,"Tourism ",p.٦٢.