من شأنه أن يبارك خطواته ، إذ وضع مشروعه في سياق تيار له تقاليد عريقة وموغلة في الزمن.
وبالرغم من افتقار الصفار إلى معرفة سابقة ومباشرة بالبلاد الفرنسية ، فمن الأكيد جدا أن يكون قد تمكن مسبقا من تكوين أفكار وتصور تصورات تتعلق بأوربا ، معتمدا في ذلك على غيره من الذين حلوا قبله بربوعها. وهذا فضلا عن معرفته الشخصية بخصائص النظام الاجتماعي بوجه عام. ولم يقتصر تكوينه على تزويده فقط بالنمط الأدبي للرحلة ، بل مكنه أيضا من اكتساب مفاهيم تتعلق بالطريقة التي تتكون بموجبها البنيات المجتمعية. وفي هذا المجال ، كان مصدره الأساسي هو كتابات ابن خلدون ، المؤرخ والفيلسوف والمنظر الاجتماعي المغاربي ، الذي عاش خلال القرن الرابع عشر الميلادي. وكانت المقدمة أهم وأغنى المصادر على الإطلاق التي استقى منها الصفار أفكاره ، سواء في مواضيع الجغرافيا والمجتمع ، أم حول طبيعة السلطة السياسية بكل مكوناتها (١).
وانصب اهتمام ابن خلدون على ظاهرة العمران وعلى الكيفية التي يعبر بها عن ذاتيته داخل المجتمع. وعنده أن أفضل طريقة يمكن لبني البشر سلوكها لضمان عيش سليم هي أن يعيشوا متكتلين ضمن مجموعات. وأن بقاء المجموعة وازدهارها يظل مرتبطا بدرجة التعاون والتآزر الموجودين بين العناصر المكونة لها. وحينما قال الصفار إن فرنسا مركز للحضارة ، كان يرى أمامه تجسيدا لأفكار ابن خلدون ، لما شاهد عددا
__________________
(١) كل الإحالات الواردة في هذا الكتاب على المقدمة مأخوذة عن النسخة الإنجليزية التي وضعها روزنتال :
F. Rosenthal, the Muqaddimah : An Introduction to History, ٣ vols.) Princeton, ٧٦٩١ (.
ويحتوي الجزء الجزء الأول منها على ترجمة لابن خلدون. بينما نجد تلخيصا مركزا لنظرية ابن خلدون في الدولة ضمن الفصل الرابع من كتاب روزنتال الذي يحمل العنوان التالي :
E. I. J. Rosenthal, Political Thought in Medieval Islam) Cambridge, ٨٦٩١ (.
وللاطلاع على وجهة نظر مغربية في الموضوع ، يمكن الرجوع إلى كتاب علي أومليل :
Ali Oumlil, L\'histoire et son discours) Rabat, ٢٨٩١ (.
(المعرب) : وعند تعريبنا أو تعاملنا مع الفقرات المتعلقة بابن خلدون اعتمدنا على الطبعة العربية الصادرة في بيروت سنة ١٩٧٨.