وفي الحقيقة ، إننا نجد أنفسنا هنا أمام مشكلة. ذلك بأن أسمى أشكال الرحلات وأكثرها اتساما بالورع والتقوى هي التي تشد فيها الرحال إلى منابع الإسلام الأولى ومعاقل الإيمان المقدسة. أما أن تكون هذه الرحلة قاصدة بلاد الغرب ، ففي ذلك قلب للأمور رأسا على عقب : فهي رحلة في اتجاه اللامقدس بل إلى ما يعتبر مدنسا من وجهة النظر الإسلامية التقليدية. إذ يكون الرحالة المسلم المتوجه إلى بلاد الغرب عرضة للخضوع إلى المقاييس والإغراءات السائدة في مجتمع يعتبر فاسدا في جوهره. وهناك لا بد من مواجهة المسلم لصعوبات كبيرة للقيام بالشعائر والواجبات الدينية. كما أنه يكون مهددا في كل وقت وحين بما يلوث عقيدته أو يدنسها. وكان المشكل المطروح سواء على الصفار أم غيره من الرحالة المسلمين المتوجهين إلى أوربا ، هو كيفية التخلص من رائحة ذلك الدنس الملتصقة بهم ، وكيفية تبرير سلوكهم حتى يلقى القبول من إخوانهم في الدين والعقيدة.
وكان الصفار على وعي تام بهذا المشكل القائم ، فواجهه متسترا وراء عبارة لها وزنها ، ألا وهي : مصالح الأمة. وبناء على ذلك ، فإن الرحلة إلى بلاد الغرب تستحق أن تتمتع بموافقة جماعة المسلمين لأنها مطابقة للقيم الدينية الهادفة إلى حماية المؤمنين. وفي هذا السياق ، قال الصفار إن السلطان أرسل البعثة السفارية «جريا على عادته في الحرص على انتظام أمر الخاص والعام» ، وأضاف معززا كلامه بما يلي : «ولم يزل هذا دأب أئمة الأمة وحماة الملة. فقد كان صلىاللهعليهوسلم يبعث لذلك كبراء أصحابه ، وفيه إسوة. وتابعه في ذلك الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون» (١). ليست هناك على الإطلاق سلطة أعلى من هذه السلطة ـ وهي سابقة سنها المسلمون الأوائل ـ يمكن أن يستند إليها محمد الصفار ليمنح مغامرته طابع المشروعية ويجعلها أمرا مقبولا ومستحسنا. وسبق لكرابورن القول إن إجماع الجماعة على رأي واحد في مسألة السفر أمر مهم لموضوع الرحلة. إذ هناك ما يبرر الوقت المستهلك والجهد المبذول اللذين كان من الممكن إنفاقهما لتحقيق أهداف اجتماعية أخرى (٢). وهكذا يكون الصفار ، بإيجاد رابطة لجهوده مع قداسة الحج ، وبحديثه عن النتائج الإيجابية المكتسبة في الماضي عبر الطرق الدبلوماسية ، قد بحث عن كل ما
__________________
(١) انظر الصفحات اللاحقة من هذا الكتاب.
(٢) Graburn ,"Tourism ",p.٨٢.