لخلق «أحسن الانطباعات لديهم بعظمة فرنسا وقوتها» (١). ولم يفت الصفار التعبير عن استيائه من التعريج المتعب بأعضاء البعثة السفارية إلى مدينة تولون (Toulon) لحملهم على مشاهدة بعض من وحدات الأسطول الفرنسي. كما امتلأ قلبه بالحسرة والأسى في أعقاب الاستعراض العسكري الذي جرت وقائعه في ساحة شان ـ دومارس (Champ ـ de Mars). ويحتوي متن الرحلة على تراتبية ضمنية للحقيقة ، مصحوبة بملاحظات مباشرة على أعلى المستويات. إذ لجأ الصفار إلى نقل المعلومات المستمدة من المصادر الإسلامية في الوسط ، بينما وضع الأخبار المستقاة من المسيحيين الذين كان ضيفا عليهم في المؤخرة. وكان بارعا بالفعل في إفصاحه عن القيمة الحقيقية لكل منهما.
وعلى الرغم من تحمس الصفار للحقيقة ، فإنه لم يستطع أن يقدم لنا سوى انطباعات جزئية حول فرنسا. وذلك لأنه ظل محصورا بين أشياء شاهدها وبعض الأمور التي استطاع إدراك كنهها. وقد ظن الصفار ، مثله في ذلك مثل الطهطاوي ، أن فرنسا هي باريز بمفهومها الواسع ، أي مدينة الصالونات ، والشوارع الفسيحة ، والمدينة الزاخرة بمختلف المظاهر الاستعراضية (٢).
إن الصفار لم يشاهد غير القليل من المظاهر القاتمة والسيئة لأعماق الحياة الباريزية : من انتشار للفقر والمرض وممارسة الدعارة ، وارتفاع لأعداد العاطلين عن العمل ، إلى جانب الفوارق الصارخة والمؤلمة الموجودة بين الأثرياء والبؤساء ؛ وكلها قضايا شغلت بال رجال الأدب المعاصرين من ذوي النزعة الاحتجاجية على الواقع
__________________
(١) العبارة مأخوذة من التعليمات الموجهة من كيزو (Guizot) إلى بورسي (Pourcet) وأورباين (Urbain) ، انظر : AAE / CPM ، ١٥ / ٢٣ نونبر ١٨٤٥. وعبر الملك لوي فليب عن الفكرة نفسها بصريح العبارة ، في رسالته إلى السلطان عبد الرحمن بن هشام في موضوع زيارة السفير المغربي بقوله : «وقد أمرنا وزراءنا أن يبالغوا في إكرامه وتبجيله لكي تطيب له بلادنا وأن يعرضو عليه كل ما فيها من عجائب الفنون والصنايع». من رسالة لويس فيليب إلى مولاي عبد الرحمن ، ١٣ فبراير ١٨٤٦ ، مسجلة ضمن محفوظات مديرية الوثائق الملكية تحت رقم ١٧٥٧٥ ، انظر : (الملحق رقم ٣).
(٢) سبق للمستشرق الفرنسي سيلفستر دو ساسي (Silvestre de Sacy) ، أن لاحظ كيف عمم الطهطاوي أحكامه على الفرنسيين انطلاقا «مما هو سائد لدى سكان باريز» Louca ,L\'or ,p.٨١٢.