الإدغام الصحيح لما يلزم عليه من التقاء الساكنين على غير حده ، وذلك لأن قاعدة الصرفيين أنه لا يجمع بين ساكنين إلا إذا كان الأول حرف علة مدا أو لينا فإن كان صحيحا جاز وقفا لعروضه لا وصلا ، فحصل من قاعدتهم أنه لا يجمع بين ساكنين ، والأول صحيح في الوصل ، وقد ثبت عن القراء اجتماعهما ، فخاض فيها الخائضون توهما منهم أن ما خالف قاعدتهم لا يجوز ، وهو كما قاله جميع المحققين أنا لا أسلم أن ما خالف قاعدتهم غير جائز بل غير مقيس ، وما خرج عن القياس إن لم يسمع ، فهو : لحن (١) ، وإن سمع ، فهو : شاذ قياسا فقط ، ولا يمتنع وقوعه في القرآن ، وأيضا فهو ملحق بالوقف إذ لا فرق بين الساكن للوقف ، والساكن للإدغام ، ثم نعود ، ونقول دعواهم عدم جوازه ، وصلا ممنوعة ، وعدم وجدان الشيء لا يدل على عدم وجوده في نفس الأمر فقد سمع التقاؤهما من أفصح العرب ، بل أفصح الخلق على الإطلاق صلىاللهعليهوسلم فيما يروى «نعما المال الصالح للرجل الصالح» قاله أبو عبيدة ، واختاره وناهيك به ، وتواتر ذلك عن القراء ، وشاع ، وذاع ، ولم ينكر ، وهو إثبات مفيد للعلم ، وما ذكروه نفي مستنده الظن ، فالإثبات العلمي أولى من النفي الظني ، ولئن سلمنا أن ذلك غير متواتر فأقل الأمر أن يثبت لغة بدلالة نقل العدول له عمن هو أفصح ممن استدلوا بكلامهم ، فبقي الترجيح في ذلك بالإثبات ، وهو مقدم على النفي ، وإذا حمل كلام المخالف على أنه غير مقيس أمكن الجمع بين قولهم ، والقراءة المتواترة ، والجمع ، ولو بوجه أولى ، وقال ابن الحاجب بعد نقله التعارض بين قولي القراء ، والنحويين ما نصه ، والأولى الرد على النحويين في منع الجواز ، فليس قولهم بحجة إلا عند الإجماع ، ومن القراء جماعة من أكابر النحويين ، فلا يكون إجماع النحويين حجة مع مخالفة القراء لهم ، ثم ولو قدر أن القراء ليس فيهم نحوي ، فإنهم ناقلون لهذه اللغة ، وهم مشاركون للنحويين في نقل اللغة ، فلا يكون إجماع النحويين حجة دونهم ، وإذا ثبت ذلك كان المصير إلى قول القراء أولى لأنهم ناقلوها عمن ثبتت عصمته عن الغلط في مثله ، ولأن القراءة ثبتت متواترة ، وما نقله النحويون آحاد ، ثم لو سلم أنه ليس بمتواتر ، فالقراء أعدل ، وأكثر ، فكان الرجوع إليهم أولى انتهى والله أعلم (٢).
النوع الثاني الإدغام الصغير : وهو ما كان الحرف المدغم منه ساكنا ، وينقسم إلى واجب ، وممتنع ، وجائز.
الأول : إذا التقى حرفان أولهما ساكن نحو : (رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ، يُدْرِكْكُمُ ، يُوَجِّهْهُ ، قالَتْ طائِفَةٌ ، قَدْ تَبَيَّنَ ، أَثْقَلَتْ دَعَوَا) وجب إدغام الأول منهما بشروط ثلاثة الأول : أن لا يكون أول المثلين هاء سكت فإنها لا تدغم لأن الوقف على الهاء منوي نحو : (مالِيَهْ
__________________
(١) أي خطأ لخروجه عن القياس. [أ].
(٢) للمزيد انظر النشر لابن الجزري : (١ / ٢٩٢). [أ].