الثالث : القلب ، وهو : في الباء الموحدة فقط نحو : (أَنْبِئْهُمْ ، أَنْ بُورِكَ ، عَلِيمٌ بِذاتِ) فاتفقوا على قلب النون الساكنة ، والتنوين ميما خالصة ، وإخفائها بغنة عند الباء من غير إدغام ، وحينئذ : فلا فرق في اللفظ بين (أَنْ بُورِكَ ، وأَمْ بِهِ جِنَّةٌ).
الرابع : الإخفاء عند باقي الحروف ، وجملتها خمسة عشرة وهي القاف ، و (يَنْقَلِبُ مِنْ قَرارٍ ، بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) ، والكاف (أَنْكالاً ، إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ). والجيم (أَنْجَيْتَنا ، وَإِنْ جَنَحُوا ، وَلِكُلٍّ جَعَلْنا) والشين (يُنْشِئُ ، فَمَنْ شَهِدَ ، غَفُورٌ شَكُورٌ). والضاد (مَنْضُودٍ ، مِنْ ضَعْفٍ ، وَكُلًّا ضَرَبْنا) والطاء (يَنْطِقُ ، مِنْ طِينٍ ، صَعِيداً طَيِّباً) والدال (عِنْدَهُ ، مِنْ دَابَّةٍ ، عَمَلاً دُونَ) والتاء (كُنْتُمْ ، وَمَنْ تابَ ، جَنَّاتٍ تَجْرِي) والصاد (يَنْصُرْكُمُ ، وَلَمَنْ صَبَرَ ، عَمَلاً صالِحاً) والسين (الْإِنْسانُ ، أَنْ سَيَكُونُ ، رَجُلاً سَلَماً) والزاي (يُنَزِّلَ ، مِنْ زَوالٍ ، نَفْساً زَكِيَّةً) والظاء (انْظُرْ ، مِنْ ظَهِيرٍ ، ظِلًّا ظَلِيلاً) والذال (لِيُنْذِرَ ، مِنْ ذَهَبٍ ، وَكِيلاً ذُرِّيَّةَ) والثاء (الْأُنْثى ، فَمَنْ ثَقُلَتْ ، أَزْواجاً ثَلاثَةً). والفاء (يُنْفِقُ ، مِنْ فَضْلِهِ ، خالِدٌ فِي) ، فاتفقوا (١) على إخفائهما عند الخمسة عشر إخفاء تبقى معه صفة الغنة ، فهو : حال بين الإظهار ، والإدغام كما تقدم ، والفرق بين المخفي والمدغم أن المدغم مشدد والمخفي مخفف ، ولذا يقال أدغم في كذا ، وأخفى عند كذا ، والله تعالى أعلم.
تتمة : يجب على القارئ أن يحترز من المد عند إخفاء النون نحو : (كُنْتُمْ) وعند الإتيان بالغنة في النون ، والميم في نحو : (إِنَّ الَّذِينَ ، وَإِمَّا فِداءً) وكثيرا ما يتساهل في ذلك من يبالغ في إظهار الغنة ، فيتولد منها واو ، وياء ، فيصير اللفظ كونتم ، أين ، أيما وهو خطأ قبيح ، وتحريف ، وليحترز أيضا من الصاق اللسان فوق الثنايا العليا عند إخفاء النون ، فهو خطأ أيضا ، وطريق الخلاص منه تجافي اللسان قليلا عن ذلك وفي النشر إذا قرئ بإظهار الغنة من النون الساكنة ، والتنوين في اللام ، والراء عند أبي عمرو ، فينبغي قياسا (٢) إظهارها من النون المتحركة فيهما نحو : (نُؤْمِنَ لَكَ ، زُيِّنَ لِلَّذِينَ تَأَذَّنَ
__________________
(١) قوله فاتفقوا الخ : وإنما تعين الإخفاء لأن النون الساكنة والتنوين لم يقربا من هذه الحروف كقربهما من حروف الإدغام فيدغمان فيهن. ولم يبعدا منهن كبعدهما من حروف الحلق فيظهران عندهن فلذا تعين الإخفاء وكان على قدر قربهما منهن. فكلما قوي التناسب بالمخرج أو بالصفة قرب إلى الإدغام. وكلما قل قرب إلى الإظهار. قاله الجعبري. وهو معنى قول غيره فما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا عنه. واتفق أهل الأداء على أنه لا عمل للسان في النون والتنوين حالة الإخفاء كعمله فيهما مع ما يظهران عنده أو ما يدغمان فيه بغنة. وإنما يخرجان عند حروف الإخفاء من الخيشوم.
(٢) قوله فينبغي قياسا الخ : لا ينبغي أن يلتفت إلى هذا القياس لمصادمته للرواية الصحيحة الواردة على الأصل إذ النون من نحو لن نؤمن لك وتأذن ربك متحركة في الأصل وسكونها عارض للإدغام. والأصل أن لا يعتد بالعارض. ولما فيه من قياس ما لا يروى على ما روي. والقراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول. والقياس إنما يصار إليه عند عدم النص وغموض وجه الأداء. وهذا لا غموض فيه مع أنه حكي الإجماع على تركها في ذلك حيث قال في باب الإدغام الكبير ما نصه : وكذلك أجمعوا على إدغام النون في اللام والراء إدغاما خالصا كاملا من غير غنة عند من روى الغنة