فحذفوا الغنة معهما ، وهذا كما في النشر ، وغيره مذهب الجمهور من أهل الأداء ، والجلة من أئمة التجويد ، وعليه العمل عند أئمة الأمصار ، وذهب كثير من أهل الأداء ، وغيرهم إلى الإدغام فيهما مع بقاء الغنة ، ورووا ذلك عن أكثر القراء : نافع ، وابن كثير ، وأبي عمرو وابن عامر ، وعاصم ، وكذا أبو جعفر ، ويعقوب ، وغيرهم ، ووردت عن كل القراء ، وصحت من طرق النشر التي هي طرق هذا الكتاب نصا ، وأداء عن أهل الحجاز ، والشام ، والبصرة ، وحفص ، وأشار إلى ذلك في طيبته بقوله : وأدغم بلا غنة في لام ، وراء وهي «أي الغنة» لغير صحبة أيضا ترى. لكن ينبغي كما في النشر تقييد ذلك في اللام بالمنفصل رسما نحو : (أَنْ لا أَقُولَ ، وأَنْ لا مَلْجَأَ) أما المتصل رسما نحو : (أَلَّنْ نَجْعَلَ) بالكهف [الآية : ٤٨] فلا غنة فيه للرسم ، وأما الواو ، والياء ، فاختلف فيهما ، فقرأ : خلف عن حمزة بإدغام النون ، والتنوين فيهما بغير غنة وافقه المطوعي عن الأعمش ، وبه قرأ الدوري عن الكسائي في الياء من طريق أبي عثمان الضرير ، وروى الغنة عنه جعفر بن محمد ، وكلاهما صحيح كما في النشر ، وقرأ الباقون بالغنة فيهما ، وهو الأفصح ، واختلفوا في الغنة الظاهرة مع الإدغام في الميم ، فذهب بعضهم إلى أنها غنة النون ، والجمهور أنها غنة الميم ، وهو الصحيح ، واتفقوا على أنها مع الواو ، والياء غنة المدغم ، ومع النون غنة المدغم فيه.
واتفقوا : أيضا على إظهار النون الساكنة إذا اجتمعت مع الياء ، أو الواو في كلمة واحدة نحو : (صِنْوانٌ) الرعد [الآية : ٤] (والدُّنْيا) البقرة [الآية : ٨٥] (وبُنْيانٌ) الصف [الآية : ٤] خوف التباسه بالمضاعف (١).
تنبيه : التحقيق كما في الحلبي على مقدمة التجويد لابن الجزري أن الإدغام مع عدم الغنة محض كامل التشديد ، ومعها غير محض ناقص التشديد من أجل صوت الغنة الموجودة معه ، فهو بمنزلة الإطباق الموجود مع الإدغام في (أَحَطْتُ ، وبَسَطْتَ) انتهى.
ومقتضاه أنه متى وجدت الغنة كان الإدغام غير محض ناقص التشديد سواء قلنا أنها للمدغم ، أو للمدغم فيه ، ومقتضى كلام الجعبري أنه محض كامل التشديد مع الغنة حيث كانت للمدغم فيه لا للمدغم نبه عليه شيخنا رحمهالله تعالى ، وما ذكر من أن الإدغام إذا صاحبته الغنة يكون إدغاما ناقصا هو الصحيح في النشر ، وغيره خلافا لمن جعله إخفاء ، وجعل إطلاق الإدغام عليه مجازا كالسخاوي ، ويؤيد الأول ، وجود التشديد فيه إذا التشديد ممتنع مع الإخفاء.
__________________
(١) المضعف هو : الحرف المشدد. [أ].
فما يجب أن يخشاه القارئ إذا كان يقرأ (صنوان) [الرعد : ٤] مثلا أن يصير في ذهنه بأن الواو الناشئة عند الإدغام هي واو مضعفة أصلية في الكلمة وأن أصل كلمة (صوّان) هو : (صووان) والله أعلم.