فيكون الشيء الواحد مختلفا متقابلا ، هذا ممتنع. فبقي أن يكون الجزء الفصليّ علّة لوجود الجزء الجنسيّ ، ويكون مقسّما للطبيعة الجنسيّة المطلقة ، وعلّة للقدر الّذي هو حصّة النوع ، وجزءا للمجموع الحاصل منه وممّا يتميّز به عن غيره» (١) انتهى.
فإن قيل (٢) : إنّ الفصل إن كان علّة لمطلق الجنس لم يكن مقسّما له ، وإن كان علّة للحصّة الّتي في نوعه ـ وهو المختصّ به ـ فلا بدّ أن يفرض التخصّص أوّلا ، حتّى يكون الفصل علّة له ، لكنّه إذا تخصّص دخل في الوجود واستغنى بذلك عن العلّة.
قيل (٣) : إنّ الخصوصيّة الّتي بها يصير الجنس المبهم حصّة خاصّة بالنوع من شؤون تحصّله الوجوديّ الجائي إليه من ناحية علّته الّتي هي الفصل ، والعلّة متقدّمة بالوجود على معلولها ، فالتخصّص حاصل بالفصل ، وبه يقسّم الجنس الفاقد له في نفسه. ولا ضير في علّيّة فصول متعدّدة لماهيّة واحدة جنسيّة لضعف وحدتها (٤).
فإن قيل : التحصّل الّذي يدخل به الجنس في الوجود هو تحصّله بالوجود الفرديّ ، فما لم يتلبّس بالوجود الخارجيّ لم يتمّ ولم يكن له شيء من الشؤون الوجوديّة ، فما معنى عدّ الفصل علّة له؟
قيل (٥) : المراد بتحصّله بالفصل ثبوته التعقّليّ وكينونته ماهيّة تامّة نوعيّة. والّذي يكتسبه بالوجود الفرديّ هو تحقّق الماهيّة التامّة تحقّقا تترتّب عليه الآثار الخارجيّة. فالّذي يفيده الفصل هو تحصّل الماهيّة المبهمة الجنسيّة وصيرورتها ماهيّة نوعيّة تامّة ، والذيّ يفيده الوجود الفرديّ هو تحصّل الماهيّة التامّة
__________________
(١) راجع الأسفار ٢ : ٢٩ ـ ٣٠.
(٢) هذا الاعتراض تعرّض له في المباحث المشرقيّة ١ : ٦٨ ، والأسفار ٢ : ٣٠.
(٣) هكذا أجاب عنه الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٦٨. وتعرّض له أيضا صدر المتألّهين في الأسفار ٢ : ٣٠. وأجاب عنه أيضا ملّا إسماعيل في حاشية شوارق الإلهام بما ذكر.
(٤) لأنّها وحدة بالعموم ، وهي لا تنافي الكثرة.
(٥) كما يستفاد ممّا ذكره قطب الدين الراونديّ في شرح المطالع : ٩٢ ، حيث قال : «ثمّ ليس مراده أنّ الفصل علّة لوجود الجنس ...».