وأمّا كونهما نوعين متخالفين متباينين فلأنّهما لو كانا نوعا واحدا كان ما يوجد فيهما من التخالف عرضيّا (١) غير جزء للذات ولا لازما لها ، فكان من الجائز عند العقل أن يزول وصف الاستقامة عن الخطّ المستقيم ويبقى أصل الخطّ ثمّ يوصف بالاستدارة ، لكنّ ذلك محال ، لأنّ الخطّ نهاية السطح كما أنّ السطح نهاية الجسم ، ولا يمكن أن يتغيّر حال النهاية ، إلّا بعد تغيّر حال ذي النهاية ، فلو لم يتغيّر حال السطح في انبساطه وتمدّده لم يتغيّر حال الخطّ في استقامته ، ولو لم يتغيّر حال الجسم في انبساطه وتمدّده لم يتغيّر حال السطح في ذلك ، والجسم التعليميّ يبطل بذلك ويوجد غيره ، وكذا السطح الّذي هو نهايته ، وكذا الخطّ الّذي هو نهايته ؛ فإذا بطل المعروض ووجد معروض آخر بالعدد كان العارض أيضا كذلك. فإذا امتنع بقاء المستقيم من الخطّ مع زوال استقامته علم منه أنّ الاستقامة إمّا فصله أو لازم فصله ، فالمستقيم يغاير المستدير في نوعيّته ، وكذا السطح المستوي وغيره ، وأيضا غيره (٢) لما يخالفه ، وكذا الأجسام التعليميّة لما يخالفها (٣).
ويتفرّع على ما تقدّم :
أوّلا : أن لا تضادّ بين المستقيم والمستدير (٤) لعدم التعاقب على موضوع واحد (٥) ولعدم غاية الخلاف ، وكذا ما بين الخطّ والسطح ، وكذا ما بين السطح
__________________
(١) أي : عرضيّا مفارقا. ويشعر به قوله : «ولا لازما لها».
(٢) أي : غير المستوي. فالسطح المقعّر يغاير السطح المحدّب نوعا.
(٣) فالكرة يغاير المكعّب والمخروط وغيرهما نوعا. وغير الكرة يغاير ما سواه نوعا.
(٤) راجع الفصل الثالث من المقالة السادسة من الفنّ الثاني من منطق الشفاء ، وشوارق الإلهام : ٤٥١ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ٤١٩ ـ ٤٢٠ ، والأسفار ٤ : ١٧٠.
(٥) واعترض عليه الشارح القوشجيّ في شرحه للتجريد : ٢٨٦ بأنّ الدائرة سطح مستو ، وهي موضوع لمحيطها الّذي هو خطّ مستدير ، وكذا الخطّ المستقيم قد يوجد في السطح غير المستوي ، فإنّ محيط الاستوانة وكذا محيط المخروط غير مستو وقد يوجد فيهما خطّ مستقيم. وأجاب عنه الشارح اللاهيجيّ في شوارق الإلهام : ٤٥١ ، فراجع.