والاختلاف بالإبهام وغيره (١) في قولنا : «الإنسان حيوان» فإنّ الجنس هو النوع مبهما. والاختلاف بالتحصيل وغيره (٢) في قولنا : «الإنسان ناطق» ، فإنّ الفصل هو النوع محصّلا ـ كما مرّ في مباحث الماهيّة (٣) ـ. وكالاختلاف بفرض الشيء مسلوبا عن نفسه ، فيغاير نفسه نفسه ، ثمّ يحمل على نفسه لدفع توهّم المغايرة ، فيقال مثلا : «الإنسان إنسان». ولمّا كان هذا الحمل ربّما يعتبر في الوجود العينيّ كان الأصوب أن يعرّف باتّحاد الموضوع والمحمول ذاتا ، ويسمّى هذا الحمل : «حملا أوّليّا ذاتيّا» (٤).
وثانيهما : أن يختلفا مفهوما ويتّحدا وجودا ، كما في قولنا : «زيد إنسان» وقولنا : «القطن أبيض» وقولنا : «الضاحك متعجّب». ويسمّى هذا الحمل : «حملا شائعا صناعيّا» (٥).
وهاهنا نكتة يجب التنبيه عليها وهي : أنّه قد تقدّم في المباحث السابقة (٦) أنّ الوجود ينقسم إلى ما في نفسه وما في غيره ، وينقسم أيضا إلى ما لنفسه وما لغيره ، وهو الوجود النعتيّ. وتقدّم أيضا (٧) امتناع أن توجد ماهيّتان بوجود واحد نفسيّ ، بأن يطرد وجود واحد العدم عن نفس ماهيّتين متباينتين ، وهو وحدة الكثير المستحيلة عقلا.
ومن هنا يتبيّن أنّ الحمل ـ الّذي هو اتّحاد المختلفين بوجه ـ لا يتحقّق
__________________
(١) أي : وعدم الإبهام.
(٢) أي : وعدم التحصيل.
(٣) راجع الفصل الخامس من المرحلة الخامسة.
(٤) سمّي ذاتيّا لكون المحمول فيه ذاتيا للموضوع ، وأوّليّا لأنّه من الضروريّات الأوّلية الّتي لا يتوقّف التصديق بها على أزيد من تصوّر الموضوع والمحمول. راجع تعليقات المصنّف رحمهالله على بداية الحكمة : ١٣١.
(٥) سمّي شائعا لأنّه الشائع في المحاورات ، وصناعيّا لأنّه المعروف والمستعمل في الصناعات والعلوم. راجع تعليقات المصنّف رحمهالله على بداية الحكمة : ١٣٢.
(٦) راجع الفصل الأوّل والثاني من المرحلة الثانية.
(٧) راجع الفصل الثالث من المرحلة الثانية.