النفي والإثبات ، فالمنفيّ هو المحال ؛ والثابت هو الواجب والممكن الموجود ، والممكن المعدوم ، والحال الّتي ليست بموجودة ولا معدومة.
وهذه دعاو يدفعها صريح العقل ، وهي بالاصطلاح أشبه منها بالنظرات العلميّة ، فالصفح عن البحث عنها أولى.
وتاسعا : أنّ حقيقة الوجود بما هي حقيقة الوجود (١) لا سبب لها وراءها ـ أي أنّ هويّته العينيّة الّتي هي لذاتها أصيلة موجودة طاردة للعدم ، لا تتوقّف في تحقّقها على شيء خارج من هذه الحقيقة ـ سواء كان سببا تامّا أو ناقصا ، وذلك لمكان أصالتها وبطلان ما وراءها. نعم! لا بأس بتوقّف بعض مراتب هذه الحقيقة على بعض ، كتوقّف الوجود الإمكانيّ على الوجود الواجبيّ وتوقّف بعض الممكنات على بعض.
ومن هنا يظهر أن لا مجرى لبرهان اللمّ في الفلسفة الإلهيّة (٢) الباحثة عن أحكام الموجود من حيث هو موجود (٣).
وعاشرا : أنّ حقيقة الوجود حيث كانت عين حيثيّة ترتّب الآثار (٤) كانت عين الخارجيّة ، فيمتنع أن تحلّ الذهن فتتبدّل ذهنيّة لا تترتّب عليها الآثار ، لاستلزامه الانقلاب المحال. وأمّا الوجود الذهنيّ ـ الّذي سيأتي إثباته إن شاء الله (٥) ـ فهو من حيث كونه يطرد عن نفسه العدم وجود خارجيّ مترتّب عليه الآثار ، وإنّما يعدّ ذهنيّا لا تترتّب عليه الآثار بقياسه إلى المصداق الخارجيّ الّذي بحذائه.
__________________
ـ ولا معدومة ، فلذا قيّد بالصفة». شرح المقاصد ١ : ٨٠.
(١) أي : الوجود بأسره الّذي يناقض العدم.
(٢) قد مرّت الإشارة إلى ما أفاده بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمهالله من المناقشة فيه. راجع تعليقته على نهاية الحكمة : ١٤ ـ ١٥.
(٣) وفيه : أنّه ينافي كون المسائل الإلهيّة من الفلسفة ، فإنّ فيها يسلك من العلّة الى المعلول بأنّ أفعاله تعالى يثبت من طريق صفاته الّتي عين ذاته تعالى ، وهو برهان لمّيّ.
(٤) فالمراد من حقيقة الوجود هنا هو الوجود العينيّ الّذي هو مصداق مفهوم الوجود.
(٥) في المرحلة الثالثة.