حين بلغ بهم الجهد فاحفروا في مكانهم الذي كانوا فيه لعلّ الله أن يسقي الناس ، فقال رجل من جلسائه : وقد قال الشاعر :
تراءت له بين اللّوى وعنيزة |
|
وبين الشجي ممّا أحال على الوادي |
ما تراءت له إلّا على ماء ، فأمر الحجّاج عبيدة السلمي أن يحفر بالشجي بئرا فحفر بالشجي بئرا فأنبط ماء لا ينزح ، قال عبيد الله الفقير إليه : إن أريد من هذا الموضع الوادي فهو الشجي ، بالياء ، لأنه شجي بالربوة فهو مفعول ، وإن أريد به الربوة نفسها فهو الشجا ، بالألف ، لأنّه فاعل ، والمعنى في ذلك ظاهر.
باب الشين والحاء وما يليهما
شَحَا : بالفتح ، يقال : شحا فاه شحيا ، قال الفرّاء : شحا ماءة لبعض العرب ، يكتب بالياء وإن شئت بالألف لأنّه يقال : شحوت وشحيت فمه إذا فتحته ، ولا تجريها تقول هذه شحا ، فاعلم.
شَحَاط : من مخاليف اليمن.
الشِّحْرُ : بكسر أوّله ، وسكون ثانيه ، قال : الشحرة الشط الضيق ، والشّحر الشط : وهو صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن ، قال الأصمعي : هو بين عدن وعمان قد نسب إليه بعض الرّواة ، وإليه ينسب العنبر الشحري لأنّه يوجد في سواحله ، وهناك عدة مدن يتناولها هذا الاسم ، وذكر بعض العرب قال : قدمت الشحر فنزلت على رجل من مهرة له رياسة وخطر فأقمت عنده أيّاما فذكرت عنده النسناس فقال : إنّا لنصيده ونأكله وهو دابة له يد واحدة ورجل واحدة وكذلك جميع ما فيه من الأعضاء ، فقلت له : أنا والله أحبّ أن أراه ، فقال لغلمانه : صيدوا لنا شيئا منه ، فلمّا كان من الغد إذ هم قد جاءوا بشيء له وجه كوجه الإنسان إلّا أنّه نصف الوجه وله يد واحدة في صدره وكذلك رجل واحدة ، فلمّا نظر إليّ قال : أنا بالله وبك! فقلت للغلمان : خلّوا عنه ، فقالوا : يا هذا لا تغتر بكلامه فهو أكلنا ، فلم أزل بهم حتى أطلقوه فمرّ مسرعا كالريح ، فلمّا حضر غداء الرجل الذي كنت عنده قال لغلمانه : أما كنت قد تقدّمت إليكم أن تصيدوا لنا شيئا؟ فقالوا : قد فعلنا ولكن ضيفك قد خلّى عنه ، فضحك وقال : خدعك والله! ثمّ أمرهم بالغدوّ إلى الصيد ، فقلت : وأنا معهم؟
فقال : افعل ، ثمّ غدونا بالكلاب فصرنا إلى غيضة عظيمة وذلك في آخر الليل فإذا واحد يقول : يا أبا مجمر إن الصبح قد أسفر والليل قد أدبر والقنيص قد حضر فعليك بالوزر ، فقال له الآخر : كلي ولا تراعي ، قال : فأرسلوا الكلاب عليهم فرأيت أبا مجمر وقد اعتوره كلبان وهو يقول :
الويل لي ممّا به دهاني |
|
دهري من الهموم والأحزان! |
قفا قليلا أيّها الكلبان ، |
|
واستمعا قولي وصدّقاني |
إنّكما حين تحارباني |
|
ألفيتماني خضلا عناني |
لو بي شبابي ما ملكتماني |
|
حتى تموتا أو تخلّياني |
قال : فالتقيا عليه وأخذاه ، فلمّا حضر غداء الرجل أتوا بأبي مجمر بعد الطعام مشويّا ، وقد ذكرت من خبر النسناس شيئا آخر في وبار على ما وجدته في كتب العقلاء ، وهو ممّا اشترطنا أنّه خارج من العادة وأنا بريء من العهدة ، وينسب إلى الشحر جماعة ،