ستختلف من بعضها إلى بعضها ، فهناك تسيير لبعض الجبال ، وهناك ظاهرة نسف للبعض الآخر (١) فهل يا ترى التسير والنسف ظاهرة واحدة ، أم أن هاتين ظاهرتان مختلفتان؟؟!! الواقع الذي عليه أغلب الآراء أن التسيير الذي تطيعه الجبال فتسير سيرا حقيقيا غير النسف التي تبس فيه الجبال بسّا ؛ فتكون هباء منبثا.
واتحادهما يقتضي حمل أحدهما على المجاز ، بينما يظل الآخر محمول على الحقيقة ، والمجاز يقتضي قرينة لتدل عليه في نفس الكلام. ولكن الآيات المذكورة في النسف مفقود فيها القرينة.
إذن فالتسيير والنسف على حقيقتهما ، وهما ظاهرتان تنزلان بالجبال ، إما على التعاقب فيسير الجبل ثم ينسف ، وأما على التقسيم : فيسير بعض الجبال وينسف البعض الآخر ، ولا ثالث لهذين الاحتمالين (٢).
لكن الاحتمال الأول تمنع منه آية سورة النبأ : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) إذ الجبال بعد أن انتهى بها التسيير إلى أن تفنى وتكون سرابا لا يمكن أن يلحق بها نسف ، وقد انعدمت بالفعل ، فلم يبقى إلا الاحتمال الثاني ، ويتعين أن يكون الفناء عن طريق التسيير خاصا ببعض الجبال ، والفناء عن طريق النسف خاصا بالبعض الآخر ، وهذا يقتضي أن تكون الجبال صنفين : أحدهما يقبل بفطرته التي فطره الله عليها أن ينسف بعد
__________________
(١) لقوله تعالى : (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) ونسف الجبال ورد بصريح النص القرآني في قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) أه.
(٢) الاسلام في عصر العلم للأستاذ محمد أحمد الغمراوي إعداد الدكتور أحمد عبد السلام الكرداني ط. دار الكتب الحديثة ص ٣١٤ بتصرف.