فالذين جنحوا للتفسير العلمي ، قيل لهم إن الكشوف العلمية تتغير من جيل إلى جيل لأن العلم ينقض اليوم ما أبرمه بالأمس ، وغدا ينقض ما أبرمه اليوم (١) ، لكن القرآن الكريم ثابت لا يتغير ، لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من عزيز حميد.
ومن الفساد المشين أن تربط متغيرا بثابت لا يتغير ، ومن الخطأ أن تربط آيات القرآن الكريم بمفاهيم تختلف فيها وجهات النظر اختلافا شديدا.
كذلك فالذي لا شك فيه أن التيار الآخر الذي أنكر الإشارات العلمية قد أخطأ الرأي والتقدير لأنه يتجاهل جانبا بالغ الأهمية من الإشارات العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم وهي دعوة للتدبر في ملك الله سبحانه وتعالى وملكوته (٢).
قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (٣).
وآيات الله الكونية تهيب بالغافلين أن يتدبروها ، ويعملوا فيها عقولهم ، وأفهامهم ، إلا أن كثيرا منهم يصدفون عنها : قال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (٤) والدعوة للتفكر في خلق الله ومصنوعاته ظاهرة جلية بصريح النص غير المحتاج إلى تأويل : قال تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) (٥)
__________________
(١) وقد لوحظ أن آراء الشيخ طنطاوي جوهري العلمية في تفسيره قد تغيرت تماما ، وتحولت من النقيض إلى النقيض.
(٢) تأمل قوله تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها) النمل (٢٧ / ٩٣).
(٣) فصلت (٤١ / ٥٣). قال مجاهد والسدى والمنهال بن عمرو : «فتح القرى» و «في أنفسهم» فتح مكة ، وهذا ما ورد في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٥ / ٣٧٤) وفي البحر المحيط لأبي حيان (٧ / ٥٠٥) وهذا هو المختار عند الإمام الطبري في جامع البيان (٢٥ / ٤).
(٤) يوسف (١٢ / ١٠٥) راجع تفسير الطبري (١٣ / ٥٠).
(٥) الأعراف (٧ / ١٨٥).