(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٤٠)
____________________________________
مطلع السورة الكريمة إلى مقطعها والجملة استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى (لا يَمْلِكُونَ) الخ ومؤكد له على معنى أن أهل السموات والأرض إذا لم يقدروا يومئذ على أن يتكلموا بشىء من جنس الكلام إلا من أذن الله تعالى له منهم فى التكلم وقال ذلك المأذون له قولا صوابا أى حقا فكيف يملكون خطاب رب العزة مع كونه أخص من مطلق الكلام وأعز منه مراما لا على معنى أن الروح والملائكة مع كونهم أفضل الخلائق وأقربهم من الله تعالى إذا لم يقدروا أن يتكلموا بما هو صواب من الشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه فكيف يملكه غيرهم كما قيل فإنه مؤسس على قاعدة الاعتزال فمن سلكه مع تجويزه أن يكون يوم ظرفا للا يملكون فقد اشتبه عليه الشؤن واختلط به الظنون وقيل إلا من أذن الخ منصوب على أصل الاستثناء والمعنى لا يتكلمون إلا فى حق شخص أذن له الرحمن وقال ذلك الشخص صوابا أى حقا هو التوحيد وإظهار الرحمن فى موضع الإضمار للإيذان بأن مناط الإذن هو الرحمة البالغة لا أن أحدا يستحقه عليه سبحانه وتعالى (ذلِكَ) إشارة إلى يوم قيامهم على الوجه المذكور وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو درجته وبعد منزلته فى الهول والفخامة ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده أى ذلك اليوم العظيم الذى يقوم فيه الروح والملائكة مصطفين غير* قادرين هم وغيرهم على التكلم من الهيبة والجلال (الْيَوْمُ الْحَقُّ) أى الثابت المتحقق لا محالة من غير* صارف يلويه ولا عاطف يثنيه والفاء فى قوله تعالى (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) فصيحة تفصح عن شرط محذوف ومفعول المشيئة محذوف لوقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء وانتفاء الغرابة فى تعلقه بها حسب القاعدة المستمرة وإلى ربه متعلق بمآبا قدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل كأنه قيل وإذا كان الأمر كما ذكر من تحقق اليوم المذكور لا محالة فمن شاء أن يتخذ مرجعا إلى ثواب ربه الذى ذكر شأنه العظيم فعل ذلك بالإيمان والطاعة وقال قتادة مآبا أى سبيلا وتعلق الجاربه لما فيه من معنى الإفضاء والإيصال كما مر فى قوله تعالى (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ) أى بما ذكر فى السورة من الآيات الناطقة بالبعث وبما بعده من الدواهى أو بها بسائر القوارع الواردة فى القرآن* (عَذاباً قَرِيباً) هو عذاب الآخرة وقربه لتحقق إتيانه حتما ولأنه قريب بالنسبة إليه تعالى وإن رأوه بعيدا وسيرونه قريبا لقوله تعالى (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) وعن قتادة هو عقوبة* الدنيا لأنه أقرب العذابين وعن مقاتل هو قتل قريش يوم بدر وقوله تعالى (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) فإنه إما بدل من عذابا أو ظرف لمضمر هو صفة له أى عذابا كائنا يوم ينظر المرء أى يشاهد