٧٦ ـ سورة الانسان
(مدنية وهى إحدى وثلاثون آية)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (٢)
____________________________________
(سورة الإنسان مدنية وآياتها إحدى وثلاثون)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (هَلْ أَتى) استفهام تقرير وتقريب فإن هل بمعنى قد والأصل أهل* أتى (عَلَى الْإِنْسانِ) قبل زمان قريب (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) أى طائفة محدودة كائنة من الزمن الممتد* (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) بل كان شيئا منسيا غير مذكور بالإنسانية أصلا كالعنصر والنطفة وغير ذلك والجملة المنفية حال من الإنسان أى غير مذكور أو صفة أخرى لحين على حذف العائد إلى الموصوف أى لم يكن فيه شيئا مذكورا والمراد بالإنسان الجنس فالإظهار فى قوله تعالى (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) لزيادة التقرير أو آدم عليهالسلام وهو المروى عن ابن عباس وقتادة والثورى وعكرمة والشعبى قال ابن عباس فى رواية أبى صالح عنه مرت به أربعون سنة قبل أن ينفخ فيه الروح وهو ملقى بين مكة والطائف وفى رواية الضحاك عنه أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مسنون فأقام أربعين سنة ثم من صلصال فأقام أربعين سنة فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ثم نفخ فيه الروح وحكى الماوردى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الحين المذكور ههنا هو الزمن الطويل الممتد الذى لا يعرف* مقداره فيكون الأول إشارة إلى خلقه عليه الصلاة والسلام وهذا بيانا لخلق بنيه (أَمْشاجٍ) أخلاط جمع مشج أو مشيج من مشجت الشىء إذا خلقته وصف النطفة به لما أن المراد بها مجموع الماءين ولكل منهما أوصاف مختلفة من اللون والرقة والغلظ وخواص متباينة فإن ماء الرجل أبيض غليظ فيه قوة العقد وماء المرأة أصفر رقيق فيه قوة الانعقاد يخلق منهما الولد فما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة قال القرطبى وقد روى هذا مرفوعا وقيل مفرد كأعشار وأكياش وقيل أمشاج ألوان وأطوار فإن النطفة تصير علقة ثم مضغة إلى تمام الخلقة وقوله* تعالى (نَبْتَلِيهِ) حال من فاعل خلقنا أى مريدين ابتلاءه بالتكليف فيما سيأتى أو ناقلين له من حال إلى حال على طريقة الاستعارة كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما نصرفه فى بطن أمه نطفة ثم* علقة إلى آخره (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) ليتمكن من استماع الآيات التنزيلية ومشاهدة الآيات التكوينية