(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤) إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) (٦)
____________________________________
فهو كالمسبب عن الابتداء فلذلك عطف على الخلق المقيد به بالفاء ورتب عليه قوله تعالى (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) بإنزال الآيات ونصب الدلائل (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) حالان من مفعول هدينا أى* مكناه وأقدرناه على سلوك الطريق الموصل إلى البغية فى حالتيه جميعا وإما للتفصيل أو التقسيم أى هديناه إلى ما يوصل إليها فى حاليه جميعا أو مقسوما إليهما بعضهم شاكر بالاهتداء والأخذ فيه وبعضهم كفور بالإعراض عنه وقيل من السبيل أى عرفناه السبيل إما سبيلا شاكرا أو كفورا على وصف السبيل بوصف سالكه مجازا وقرىء إما بالفتح على حذف الجواب أى إما شاكرا فبتوفيقنا وإما كفورا فبسوء اختياره لا بمجرد إجبارنا من غير اختيار من قبله وإيراد الكفور لمراعاة الفواصل والإشعار بأن الإنسان قلما يخلو من كفران ما وإنما المؤاخذ عليه الكفر المفرط (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) من أفراد الإنسان الذى هديناه السبيل (سَلاسِلَ) بها يقادون (وَأَغْلالاً) بها يقيدون (وَسَعِيراً) * بها يحرقون وتقديم وعيدهم مع تأخرهم للجمع بينهما فى الذكر كما فى قوله تعالى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) الآية ولأن الإنذار أهم وأنفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين أحسن على أن فى وصفهم تفصيلا ربما يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم وقرىء سلاسلا للتناسب (إِنَّ الْأَبْرارَ) شروع فى بيان حسن حال الشاكرين إثر بيان سوء حال الكافرين* وإيرادهم بعنوان البر للإشعار بما استحقوا به ما نالوه من الكرامة السنية والأبرار جمع بر أو بار كرب وأرباب وشاهد وأشهاد قيل هو من يبر خالقه أى يطيعه وقيل من يمتثل بأمره تعالى وقيل من يؤدى حق الله تعالى ويوفى بالنذر وعن الحسن البر من لا يؤذى الذر (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) هى الزجاجة* إذا كانت فيها خمر وتطلق على نفس الخمر أيضا فمن على الأول ابتدائية وعلى الثانى تبعيضية أو بيانية (كانَ مِزاجُها) أى ما تمزج به (كافُوراً) أى ماء كافور وهو اسم عين فى الجنة ماؤها فى بياض* الكافور ورائحته وبرده والجملة صفة كأس وقوله تعالى (عَيْناً) بدل من (كافُوراً) وعن قتادة تمزج لهم ٦ بالكفور وتختم لهم بالمسك وقيل تخلق لهم رائحة الكافور وبياضه وبرده فكأنها مزجت بالكافور فعينا على هذين القولين بدل من محل من كأس على تقدير مضاف أى يشربون خمرا خمر عين أو نصب على الاختصاص وقوله تعالى (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) صفة عينا أى يشربون بها الخمر لكونها ممزوجة* بها وقيل ضمن يشرب معنى يلتذ وقيل الياء بمعنى من وقيل زائدة ويعضده قراءة ابن أبى عبلة يشربها