قال : كنت أطوف بالبيت فرأيت رجلا يقول : اللهم قني شح نفسي لا يزيد على ذلك ، فقلت له ، فقال : إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل ، وإذا الرجل عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه. رواه ابن جرير (١).
وقال ابن جرير (٢) : حدثني محمد بن إسحاق ، حدثنا سليمان بن عبد الرّحمن الدمشقي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا مجمع بن جارية الأنصاري عن عمه يزيد بن جارية عن أنس بن مالك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «برىء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة».
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء وهم المهاجرون ثم الأنصار ثم التابعون لهم بإحسان كما قال في آية براءة (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة : ١٠٠] فالتابعون لهم بإحسان هم المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة الداعون لهم في السر والعلانية ، ولهذا قال تعالى : في هذه الآية الكريمة (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ) أي قائلين (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) أي بغضا وحسدا (لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمهالله من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب ، لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقي ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عائشة أنها قالت : أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) الآية. وقال إسماعيل ابن علية عن عبد الملك بن عمير عن مسروق عن عائشة قالت : أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم فسببتموهم. سمعت نبيكم صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها» ورواه البغوي ، وقال أبو داود : حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أيوب عن الزهري قال : قال عمر رضي الله عنه (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) قال الزهري : قال عمر رضي الله عنه : هذه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة قرى عربية فدك وكذا فما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ـ وللفقراء المهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم ـ (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ـ (وَالَّذِينَ
__________________
(١) تفسير الطبري ١٢ / ٤١.
(٢) تفسير الطبري ١٢ / ٤٢.