يمجد تعالى نفسه الكريمة ويخبر أنه بيده الملك أي هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله ، ولهذا قال تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثم قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) واستدل بهذه الآية من قال إن الموت أمر وجودي ، لأنه مخلوق ، ومعنى الآية أنه أوجد الخلائق من العدم ليبلوهم أي يختبرهم أيهم أحسن عملا ، كما قال تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة : ٢٨] فسمى الحال الأول وهو العدم موتا وسمى هذه النشأة حياة ، ولهذا قال تعالى : (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا خليد عن قتادة في قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء» ورواه معمر عن قتادة.
وقوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي خير عملا كما قال محمد بن عجلان، ولم يقل أكثر عملا ثم قال تعالى : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) أي هو العزيز العظيم المنيع الجناب ، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب بعد ما عصاه وخالف أمره ، وإن كان تعالى عزيزا هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز ، ثم قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) أي طبقة بعد طبقة وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهن على بعض أو متفاصلات بينهن خلاء ، فيه قولان أصحهما الثاني كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره.
وقوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) أي بل هو مصطحب مستو ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة ولا نقص ولا عيب ولا خلل ، ولهذا قال تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي انظر إلى السماء فتأملها هل ترى فيها عيبا أو نقصا أو خللا أو فطورا ، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك والثوري وغيرهم في قوله تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي شقوق (١) ، وقال السدي (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي من خروق ، وقال ابن عباس في رواية (مِنْ فُطُورٍ) أي من وهاء ، وقال قتادة (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي هل ترى خللا يا ابن آدم.
وقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) قال قتادة : مرتين (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) قال ابن عباس : ذليلا ، وقال مجاهد وقتادة : صاغرا (وَهُوَ حَسِيرٌ) قال ابن عباس: يعني وهو كليل ، وقال مجاهد وقتادة والسدي : الحسير المنقطع من الإعياء ، ومعنى الآية أنك لو كررت البصر مهما كررت لانقلب إليك أي لرجع إليك البصر (خاسِئاً) عن أن يرى عيبا أو خللا
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ١٢ / ١٦٥.