عبد الرّحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح به.
ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسّلام صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له وخلقا تطبعه وترك طبعه الجبلي ، فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه ، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم ، وكل خلق جميل كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال : خدمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشر سنين فما قال لي أف قط ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلته؟ وكان صلىاللهعليهوسلم أحسن الناس خلقا ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) ، وقال البخاري (٢) : حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحسن الناس وجها وأحسن الناس خلقا ليس بالطويل ولا بالقصير والأحاديث في هذا كثيرة ولأبي عيسى الترمذي في هذا كتاب الشمائل.
قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده خادما له قط ، ولا ضرب امرأة ، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما ، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم ، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتي إليه إلا أن تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله عزوجل وقال الإمام أحمد (٤) : حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» تفرد به.
وقوله تعالى : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك ومكذبوك من المفتون الضال منك ومنهم ، وهذا كقوله تعالى : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) [القمر : ٢٦] وكقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤] قال ابن جريج : قال ابن عباس في هذه الآية ستعلم ويعلمون يوم القيامة ، وقال العوفي عن ابن عباس : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) أي المجنون ، وكذا قال مجاهد وغيره ، وقال قتادة وغيره : بأيكم المفتون أي أولى بالشيطان ، ومعنى المفتون ظاهر أي الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه ، وإنما دخلت الباء في قوله (بِأَيِّكُمُ) لتدل على تضمين الفعل في قوله (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ)
__________________
(١) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٣ ، ومسلم في الفضائل حديث ٨١ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٠٧ ، ٢٠٠ ، ٢٢٢ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، ٢٦٥ ، ٢٧٠.
(٢) كتاب المناقب باب ٢٣.
(٣) المسند ٦ / ٢٣٢.
(٤) المسند ٢ / ٣٨١.