عبد الرّحمن المقري به وليس لعبد العزيز عنده سواه.
ثم قال تعالى : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) أي الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم ، إلا من عصمه الله ووفقه وهداه إلى الخير ويسر له أسبابه وهم المصلون.
(الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) قيل : معناه يحافظون على أوقاتها وواجباتها ، قاله ابن مسعود ومسروق وإبراهيم النخعي ، وقيل : المراد بالدوام هاهنا السكون والخشوع كقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) [المؤمنون : ١ ـ ٢] قاله عقبة بن عامر : ومنه الماء الدائم وهو الساكن الراكد ، وهذا يدل على وجوب الطمأنينة في الصلاة فإن الذي لا يطمئن في ركوعه وسجوده ليس بدائم على صلاته ، لأنه لم يسكن فيها ولم يدم بل ينقرها نقر الغراب فلا يفلح في صلاته.
وقيل : المراد بذلك الذين إذا عملوا عملا داوموا عليه وأثبتوه كما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» وفي لفظ «ما داوم عليه صاحبه» قالت : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا عمل عملا داوم عليه ، وفي لفظ أثبته (١) ، وقال قتادة في قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) ذكر لنا أن دانيال عليهالسلام نعت أمة محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : يصلون صلاة لو صلّاها قوم نوح ما غرقوا ، أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم ، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة ، فعليكم بالصلاة فإنها خلق للمؤمنين حسن.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أي في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات ، وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الذاريات. وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب. ولهذا قال تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي خائفون وجلون (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أي لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك وتعالى.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) أي يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه ولهذا قال تعالى : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أي من الإماء (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) وقد تقدم تفسير هذا في أول سورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١] بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) أي إذا اؤتمنوا لم يخونوا ، وإذا عاهدوا لم يغدروا ، وهذه صفات المؤمنين وضدها صفات المنافقين كما ورد في الحديث
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٣٢ ، والرقاق باب ١٨ ، ومسلم في المسافرين حديث ٢١٦ ، ٢١٨ ، وأبو داود في التطوع باب ٢٧.