قال : شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزّي فقال هذا إسناد صحيح إلى الأعمش ، وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال : سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد : [الطويل]
قلوب براها الحب حتى تعلقت |
|
مذاهبها في كل غرب وشارق |
تهيم بحبّ الله والله ربها |
|
معلّقة بالله دون الخلائق |
وقوله تعالى : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض ، ولو أمعنا في الهرب فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة ، وقولهم (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) قال ابن عباس وقتادة وغيرهما : فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته كما قال تعالى : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طه : ١١٢] (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) أي منا المسلم ومنا القاسط ، وهو الجائر عن الحق الناكب عنه ، بخلاف المقسط فإنه العادل (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) أي طلبوا لأنفسهم النجاة (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) أي وقودا تسعر بهم.
وقوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين : [أحدهما] وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) أي كثيرا ، والمراد بذلك سعة الرزق ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة : ٦٦] وكقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦] وعلى هذا يكون معنى قوله : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي لنختبرهم ، كما قال مالك عن زيد بن أسلم : (لِنَفْتِنَهُمْ) لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.
[ذكر من قال بهذا القول] قال العوفي عن ابن عباس : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) يعني بالاستقامة الطاعة (١) ، وقال مجاهد (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) قال : الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي ، وقال قتادة (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) يقول : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا وقال مجاهد : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) أي : طريقة الحق ، وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالآيتين اللتين ذكرناهما ، وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي لنبتليهم به. وقال مقاتل : نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ١٢ / ٢٦٨.