وقد قال أبو داود (١) في آخر كتاب الملاحم : حدثنا موسى بن سهل ، حدثنا حجاج بن إبراهيم ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرّحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم» انفرد به أبو داود ثم قال أبو داود : حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثني صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم» قيل لسعد : وكم نصف يوم؟ قال : خمسمائة عام. انفرد به أبو داود.
وقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) هذه كقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [البقرة : ٢٢٥] وهكذا قال هاهنا إنه يعلم الغيب والشهادة وأنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا مما أطلعه تعالى عليه ، ولهذا قال : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وهذا يعم الرسول الملكي والبشري.
ثم قال تعالى : (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) أي يخصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله ويساوقونه على ما معه من وحي الله ، ولهذا قال : (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) وقد اختلف المفسرون في الضمير الذي في قوله : (لِيَعْلَمَ) إلى من يعود؟ فقيل إنه عائد على النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال ابن جرير (٢) : حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) قال : أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل (لِيَعْلَمَ) محمدصلىاللهعليهوسلم (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) ورواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به. وهكذا رواه الضحاك والسدي ويزيد بن أبي حبيب.
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) قال : ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلّغت عن الله وأن الملائكة حفظتها ودفعت عنها ، وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة واختاره ابن جرير ، وقيل غير ذلك كما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) قال : هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلىاللهعليهوسلم من الشيطان حتى يتبين الذي أرسل به إليهم ، وذلك حين يقول ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) قال : ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، وفي هذا
__________________
(١) كتاب الملاحم باب ١٨.
(٢) تفسير الطبري ١٢ / ٢٧٧.