ربه» (١).
قال الله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) أي من كان متصفا بمثل هذه الصفات فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلا ، فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإنه له النار لا محالة خالدا فيها.
ثم قال تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) أي فما لهؤلاء الكفرة الذين قبلك عما تدعوهم إليه وتذكرهم به معرضين (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) أي كأنهم في نفارهم عن الحق وإعراضهم عنه حمر من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد ، قاله أبو هريرة وابن عباس في رواية عنه وزيد بن أسلم وابنه عبد الرّحمن ، أو رام ، وهو رواية عن ابن عباس وهو قول الجمهور. وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس : الأسد بالعربية ، ويقال له بالحبشية قسورة ، وبالفارسية شير ، وبالنبطية أويا.
وقوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) أي بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتاب كما أنزل الله على النبي صلىاللهعليهوسلم ، قاله مجاهد وغيره ، كقوله تعالى : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] وفي رواية عن قتادة : يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل ، فقوله تعالى : (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) أي إنما أفسدهم عدم إيمانهم بها وتكذيبهم بوقوعها.
ثم قال تعالى : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) أي حقا إن القرآن تذكرة (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) كقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠]. وقوله تعالى : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) [التكوير : ٢٩] أي هو أهل أن يخاف منه وهو أهل أن يغفر ذنب من تاب إليه وأناب. قاله قتادة.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا زيد بن الحباب ، أخبرني سهيل أخو حزم ، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) وقال «قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقى أن يجعل معي إلها كان أهلا أن أغفر له» (٣) ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث زيد بن الحباب ، والنسائي من حديث المعافى ابن عمران ، كلاهما عن سهيل بن عبد الله القطعي به ، وقال الترمذي : حسن غريب وسهيل ليس بالقوي ، ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن هدبة بن خالد عن سهيل به ، وهكذا رواه أبو يعلى
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٣ ، ومناقب الأنصار باب ٤٦ ، والشهادات باب ٣٠ ، وأحمد في المسند ٦ / ٤٣٦.
(٢) المسند ٣ / ١٤٢ ، ٢٤٣.
(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٧٤ ، باب ٤ ، وابن ماجة في الزهد باب ٣٥.