وقال سعيد بن جبير (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) في شدة وطلب معيشة ، وقال عكرمة : في شدة وطول ، وقال قتادة : في مشقة. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عاصم أخبرنا عبد الحميد بن جعفر سمعت محمد بن علي أبا جعفر الباقر سأل رجلا من الأنصار عن قول الله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) قال : في قيامه واعتداله فلم ينكر عليه أبو جعفر ، وروي من طريق أبي مودود سمعت الحسن قرأ هذه الآية (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) قال : يكابد أمرا من أمر الدنيا وأمرا من أمر الآخرة ، وفي رواية : يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة ، وقال ابن زيد : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) قال : آدم خلق في السماء فسمي ذلك الكبد ، واختار ابن جرير أن المراد بذلك مكابدة الأمور ومشاقها.
وقوله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) قال الحسن البصري : يعني (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) يأخذ ماله. وقال قتادة (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) قال : ابن آدم يظن أن لن يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه ، وأين أنفقه ، وقال السدي (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) قال الله عزوجل ، وقوله تعالى : (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) أي يقول ابن آدم أنفقت مالا لبدا أي كثيرا قاله مجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) قال مجاهد أي أيحسب أن لم يره الله عزوجل وكذا قال غيره من السلف : وقوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) أي يبصر بهما (وَلِساناً) أي ينطق به فيعبر عما في ضميره (وَشَفَتَيْنِ) يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام وجمالا لوجهه وفمه.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي عن مكحول قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تعالى يا ابن آدم قد أنعمت عليك نعما عظاما لا تحصي عددها ولا تطيق شكرها ، وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما وجعلت لهما غطاء ، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك ، وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما ، وجعلت لك لسانا وجعلت له غلافا فانطق بما أمرتك وأحللت لك ، فإن عرض عليك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك. وجعلت لك فرجا وجعلت لك سترا ، فأصب بفرجك ما أحللت لك ، فإن عرض عليك ما حرمت عليك فأرخ عليك سترك ، ابن آدم إنك لا تحمل سخطي ولا تطيق انتقامي».
(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) الطريقين قال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله هو ابن مسعود (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) قال : الخير والشر ، وكذا روي عن علي وابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبي وائل وأبي صالح ومحمد بن كعب والضحاك وعطاء الخراساني في آخرين ، وقال عبد الله بن وهب : أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هما نجدان فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير» تفرد به سنان بن سعد ، ويقال سعد بن سنان ، وقد وثقه ابن معين ، وقال الإمام أحمد والنسائي