وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك ، قال : فسر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم والناس معه.
وقال سفيان الثوري : بلغني عن مجاهد (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) قال : عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر ، رواه ابن جرير وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا ابن أبي زائدة عن ابن جريج عن مجاهد : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ليس في تلك الشهور ليلة القدر ، وهكذا قال قتادة بن دعامة والشافعي وغير واحد وقال عمرو بن قيس الملائي : عمل فيها خير من عمل ألف شهر ، وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر هو اختيار ابن جرير ، وهو الصواب لا ما عداه وهو كقولهصلىاللهعليهوسلم : «رباط ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل» رواه أحمد (١) وكما جاء في قاصد الجمعة بهيئة حسنة ، ونية صالحة أنه يكتب له عمل سنة أجر صيامها وقيامها إلى غير ذلك من المعاني المشابهة لذلك.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما حضر رمضان قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» ورواه النسائي من حديث أيوب به. ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (٣).
وقوله تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ، ويحيطون بحلق الذكر ، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له ، وأما الروح فقيل المراد به هاهنا جبريل عليهالسلام ، فيكون من باب عطف الخاص على العام ، وقيل هم ضرب من الملائكة كما تقدم في سورة النبأ والله أعلم.
وقوله تعالى : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) قال مجاهد : سلام هي من كل أمر ، وقال سعيد بن منصور : حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش عن مجاهد في قوله : (سَلامٌ هِيَ) قال : هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى ، وقال قتادة وغيره : تقضى فيها الأمور وتقدر الآجال والأرزاق كما قال تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان : ٤].
__________________
(١) المسند ١ / ٦٢ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٧٥.
(٢) المسند ٢ / ٢٣٠ ، ٣٨٥ ، ٤٢٥.
(٣) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٢٥ ، ٢٧ ، والصوم باب ٦ ، ومسلم في المسافرين حديث ١٧٣ ١٧٦.