وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩].
وقوله تعالى : (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) أي من الأمطار. والثلوج والبرد والأقدار. والأحكام مع الملائكة الكرام. وقد تقدم في سورة البقرة أنه ما ينزل من قطرة من السماء إلا ومعها ملك يقررها في المكان الذي يأمر الله به حيث يشاء الله تعالى. وقوله تعالى ، (وَما يَعْرُجُ فِيها) أي من الملائكة والأعمال كما جاء في الصحيح «يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل» (١).
وقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم برا أو بحرا ، في ليل أو نهار في البيوت أو القفار ، الجميع في علمه على السواء وتحت بصره وسمعه فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ، ويعلم سركم ونجواكم كما قال تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [هود : ٥].
وقال تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) [الرعد : ١٠] فلا إله غيره ولا رب سواه ، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لجبريل لما سأله عن الإحسان : «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (٢) وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن محفوظ بن علقمة : حدثني أبي عن نصر بن علقمة عن أخيه عن عبد الرّحمن بن عائذ قال : قال عمر : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال زودني حكمة أعيش بها فقال : «استح الله كما تستحي رجلا من صالحي عشيرتك لا يفارقك» هذا حديث غريب ، وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعا «ثلاث من فعلهن فقد طعم الإيمان إن عبد الله وحده وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام ، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة (٣) ولا الشّرط اللئيمة ولا المريضة (٤) ، ولكن من أوسط أموالكم وزكى نفسه» وقال رجل : يا رسول الله ما تزكية المرء نفسه؟ فقال : «يعلم أن الله معه حيث كان».
وقال نعيم بن حماد رحمهالله : حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي عن محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم ، عن عبد الرّحمن بن غنم عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت» غريب ، وكان الإمام أحمد
__________________
(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٩٣.
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان باب ١ ، ومسلم في الإيمان حديث ١ ، ٥ ، ٧ ، وأبو داود في السنة باب ١٦ ، والترمذي في الإيمان باب ٤ ، والنسائي في الإيمان باب ٥ ، ٦ ، وابن ماجة في المقدمة باب ٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٠٧ ، ١٣٢.
(٣) الدرنة : الجرباء.
(٤) الشرط اللئيمة والمريضة : أي رذال المال.