ونقل ابن جرير (١) عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد كقوله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح : ٥ ـ ٦] وكقوله (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) [التكاثر : ٦ ـ ٧] وحكاه بعضهم كابن الجوزي وغيره عن ابن قتيبة ، فالله أعلم.
فهذه ثلاثة أقوال [أولها] ما ذكرناه أولا [والثاني] ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) في الماضي (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) في المستقبل [الثالث] إن ذلك تأكيد محض [وثم قول رابع] نصره أبو العباس بن تيمية في بعض كتبه ، وهو أن المراد بقوله : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) نفي الفعل لأنها جملة فعلية (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) نفي قبوله لذلك بالكلية لأن النفي بالجملة الاسمية آكد ، فكأنه نفى الفعل وكونه قابلا لذلك ، ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا ، وهو قول حسن أيضا ، والله أعلم.
وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) على أن الكفر ملة واحدة ، تورثه اليهود من النصارى وبالعكس إذ كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به لأن الأديان ما عدا الإسلام كلها كالشيء الواحد في البطلان. وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود ، وبالعكس لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يتوارث أهل ملتين شتى» (٢).
آخر تفسير سورة قل يا أيها الكافرون.
تفسير سورة النصر
وهي مدنية
قد تقدم أنها تعدل ربع القرآن ، وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن. وقال النسائي : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، أخبرنا جعفر عن أبي العميس ح وأخبرنا محمد بن سليمان ، حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا أبو العميس عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : قال لي ابن عباس : يا ابن عتبة ، أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت؟ قلت : نعم ، (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) قال صدقت (٣).
وروى الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة الربذي عن صدقة بن
__________________
(١) تفسير الطبري ١٢ / ٧٢٨.
(٢) أخرجه أبو داود في الفرائض باب ١٠ ، والترمذي في الفرائض باب ١٦ ، وابن ماجة في الفرائض باب ٦ ، والدارمي في الفرائض باب ٢٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٩٥.
(٣) أخرجه مسلم في التفسير حديث ٢١.