وقال عكرمة : خفضت فأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعت الأقصى ، وكذا قال الضحاك وقتادة.
وقوله تعالى : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أي حركت تحريكا فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها ، ولهذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد في قوله تعالى : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أي زلزلت زلزالا ، وقال الربيع بن أنس : ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه ، وهذا كقوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة : ١] وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج : ١]. وقوله تعالى : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) أي فتتت فتا ، قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم ، وقال ابن زيد صارت الجبال كما قال الله تعالى : (كَثِيباً مَهِيلاً).
وقوله تعالى : (فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) قال أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه : هباء منبثا كرهج الغبار يسطع ثم يذهب فلا يبقى منه شيء ، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله (فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) الهباء الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منه الشرر فإذا وقع لم يكن شيئا ، وقال عكرمة : المنبث الذي قد ذرته الريح وبثته. وقال قتادة (هَباءً مُنْبَثًّا) كيبيس الشجر الذي تذروه الرياح. وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة وذهابها وتسييرها ونسفها أي قلعها وصيرورتها كالعهن المنفوش.
وقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف : قوم عن يمين العرش. وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيمن ، ويؤتون كتبهم بأيمانهم ويؤخذ بهم ذات اليمين ، وقال السدي : وهم جمهور أهل الجنة ، وآخرون عن يسار العرش وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيسر ويؤتون كتبهم بشمائلهم ويؤخذ بهم ذات الشمال وهم عامة أهل النار ـ عياذا بالله من صنيعهم ـ وطائفة سابقون بين يديه عزوجل ، وهم أخص وأحظى وأقرب من أصحاب اليمين الذين هم سادتهم ، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء ، وهم أقل عددا من أصحاب اليمين ، ولهذا قال تعالى : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم ، وهكذا ذكرهم في قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) [فاطر : ٣٢] الآية.
وذلك على أحد القولين في الظالم لنفسه كما تقدم بيانه ، قال سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) قال : هي التي في سورة الملائكة (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر : ٣٢]. وقال ابن جريج عن ابن عباس : هذه الأزواج الثلاثة هم المذكورون