خطمه (١) على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس ، وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس» غريب.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال عثر بالنبي صلىاللهعليهوسلم حماره فقلت تعس الشيطان ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم وقال : بقوتي صرعته وإذا قلت : باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب وغلب ، تفرد به أحمد إسناده جيد قوي ، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب ، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب.
وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أحدكم إذا كان في المسجد جاءه الشيطان فأبس به كما يبسّ (٤) الرجل بدابته ، فإذا سكن له زنقه أو ألجمه» قال أبو هريرة رضي الله عنه : وأنتم ترون ذلك أما المزنوق فتراه مائلا كذا لا يذكر الله ، وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عزوجل ، تفرد به أحمد. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : (الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خنس (٥) ، وكذا قال مجاهد وقتادة وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه : ذكر لي أن الشيطان أو الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح ، فإذا ذكر الله خنس. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : (الْوَسْواسِ) قال : هو الشيطان يأمر فإذا أطيع خنس (٦).
وقوله تعالى : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا ، وقال ابن جرير(٧) : وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم. وقوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) هل هو تفصيل لقوله : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) ثم بينهم فقال : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) وهذا يقوي القول الثاني وقيل لقوله : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) تفسير للذي
__________________
(١) خطمه : أي أنفه.
(٢) المسند ٥ / ٥٩.
(٣) المسند ٢ / ٢٣٠.
(٤) يقال : بسست الناقة وأبسستها : إذا سقتها وزجرتها وقلت لها : بس بس.
(٥) انظر تفسير الطبري ١٢ / ٧٥٢.
(٦) انظر تفسير الطبري ١٢ / ٧٥٣.
(٧) تفسير الطبري ١٢ / ٧٥٣ ، ولفظه : فإن قال قائل : فالجن ناس ، فيقال : الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. قيل : قد سماهم الله في هذا الموضع ناسا ، كما سماهم في موضع آخر رجالا ، فقال : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ٦] فجعل الجن رجالا ، وكذلك جعل منهم ناسا.