عباده ، وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نورا وكل منافق نورا ، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات ، فقال المنافقون (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) وقال المؤمنون (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) [التحريم : ٨] فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا».
وقوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) قال الحسن وقتادة : هو حائط بين الجنة والنار ، وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم هو الذي قال الله تعالى : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ) [الأعراف : ٤٦] وهكذا روي عن مجاهد رحمهالله وغير واحد وهو الصحيح (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) ـ أي الجنة وما فيها ـ (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) أي النار قاله قتادة وابن زيد وغيرهما ، قال ابن جرير (١) وقد قيل إن ذلك السور سور بيت المقدس عند وادي جهنم. ثم قال : حدثنا ابن البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عطية بن قيس عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : إن السور الذي ذكره الله في القرآن (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه وظاهره وادي جهنم (٢).
ثم روي عن عبادة بن الصامت وكعب الأحبار وعلي بن الحسين زين العابدين نحو ذلك ، وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالا لذلك ، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين نفسه ونفس المسجد ، وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم ، فإن الجنة في السموات في أعلى عليين والنار في الدركات أسفل سافلين ، وقول كعب الأحبار إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد فهذا من إسرائيلياته وترهاته ، وإنما المراد بذلك سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه ، فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة.
(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) أي ينادي المنافقون المؤمنين أما كنا معكم في الدار الدنيا نشهد معكم الجمعات ونصلي معكم الجماعات ، ونقف معكم بعرفات ، ونحضر معكم الغزوات ونؤدي معكم سائر الواجبات؟ (قالُوا بَلى) أي فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين : بلى قد كنتم معنا (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) قال بعض السلف : أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات (وَتَرَبَّصْتُمْ) أي أخرتم التوبة من وقت إلى وقت.
__________________
(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٧٨.
(٢) انظر تفسير الطبري ١١ / ٦٧٨.