تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) الآية ، إلا أربع سنين (١) ، كذا رواه مسلم في آخر الكتاب ، وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الآية عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب به. وقد رواه ابن ماجة من حديث موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي حازم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه مثله ، فجعله من مسند ابن الزبير ، لكن رواه البزار في مسنده من طريق موسى بن يعقوب عن أبي حازم عن عامر عن ابن الزبير عن ابن مسعود فذكره.
وقال سفيان الثوري عن المسعودي عن القاسم قال : ملّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف : ٣] قال : ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) [الزمر : ٢٣] ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) وقال قتادة (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أول ما يرفع من الناس الخشوع» (٢).
وقوله تعالى : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى ، لما تطاول عليهم الأمد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمنا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم ، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة ، وقلدوا الرجال في دين الله واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي في الأعمال فقلوبهم فاسدة وأعمالهم باطلة كما قال تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) [المائدة : ١٣] أي فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه وتركوا الأعمال التي أمروا بها ، وارتكبوا ما نهوا عنه ، ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا شهاب بن خراش ، حدثنا حجاج بن دينار عن منصور بن المعتمر عن الربيع بن عميلة الفزاري قال : حدثنا عبد الله بن مسعود حديثا ما سمعت أعجب إلي منه إلا شيئا من كتاب الله أو شيئا قاله النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم واستلذته ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم فقالوا تعالوا ندع بني إسرائيل إلى كتابنا هذا ، فمن تابعنا عليه تركناه ومن كره أن يتابعنا قتلناه ، ففعلوا ذلك وكان
__________________
(١) أخرجه مسلم في التفسير حديث ٢٤.
(٢) انظر تفسير الطبري ١١ / ٦٨١.