وخالفوني» ولا يقدح في هذه المتابعة لحال داود بن المحبر فإنه أحد الوضاعين للحديث ، لكن قد أسنده أبو يعلى عن شيبان بن فروخ عن الصعق بن حزن به مثل ذلك ، فقوي الحديث من هذا الوجه.
وقال ابن جرير (١) وأبو عبد الرّحمن النسائي واللفظ له : أخبرنا الحسين بن حريث ، حدثنا الفضل بن موسى عن سفيان بن سعيد عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان ملوك بعد عيسى عليهالسلام بدلت التوراة والإنجيل فكان منهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ، فقيل لملوكهم ما نجد شيئا أشد من شتم يشتموناه هؤلاء إنهم يقرءون (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) [المائدة : ٤٤] هذه الآيات مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم فادعهم فليقرءوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا ، فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها ، فقالوا : ما تريدون إلى ذلك دعونا ، فقالت طائفة منهم : ابنوا لنا أسطوانة (٢) ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم ، وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش ، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا ، وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم ، وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ، ففعلوا ذلك ، فأنزل الله تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها).
والآخرون قالوا : نتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان ، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم ، فلما بعث الله النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يبق منهم إلا القليل انحط منهم رجل من صومعته ، وجاء سائح من سياحته ، وصاحب الدير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) أجرين بإيمانهم بعيسى ابن مريم وتصديقهم بالتوراة والإنجيل ، وبإيمانهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم وتصديقهم قال (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) القرآن واتباعهم النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) الذين يتشبهون بكم (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) هذا السياق فيه غرابة ، وسيأتي تفسير هاتين الآيتين على غير هذا ، والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني سعيد بن عبد الرّحمن بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير ، وهو يصلي صلاة خفيفة كأنها
__________________
(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٩٠.
(٢) أسطوانة : أي منارة مرتفعة.