تعليما بتقديم الأفاضل إلى الأمام.
وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا وكيع عن الأعمش عن عمارة بن عمير التيمي عن أبي معمر عن أبي مسعود قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم» قال أبو مسعود : فأنتم اليوم أشد اختلافا (٢) ، وكذا رواه مسلم وأهل السنن إلا الترمذي من طرق عن الأعمش به ، وإذا كان هذا أمره لهم في الصلاة أن يليه العقلاء منهم والعلماء فبطريق الأولى أن يكون ذلك في غير الصلاة.
وروى أبو داود من حديث معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشياطين ومن وصل صفا وصله الله ، ومن قطع صفا قطعه الله» (٣) ولهذا كان أبي بن كعب سيد القراء إذا انتهى إلى الصف الأول انتزع منه رجلا يكون من أفناء الناس ، ويدخل هو في الصف المتقدم ويحتج بهذا الحديث : «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى».
وأما عبد الله بن عمر فكان لا يجلس في المكان الذي يقوم له صاحبه عنه عملا بمقتضى ما تقدم من روايته الحديث الذي أوردناه ، ولنقتصر على هذا المقدار من الأنموذج المتعلق بهذه الآية ، وإلا فبسطه يحتاج إلى غير هذا الموضع. وفي الحديث الصحيح : بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها ، وأما الآخر فجلس وراء الناس ، وأدبر الثالث ذاهبا فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا أنبئكم بخبر الثلاثة ، أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله ، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه» (٤).
وقال الإمام أحمد (٥) : حدثنا عتاب بن زياد أخبرنا عبد الله ، أخبرنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما» (٦) ورواه أبو داود والترمذي من حديث أسامة بن زيد الليثي به وحسنه الترمذي وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري وغيرهما أنهم قالوا في قوله تعالى : (إِذا
__________________
(١) المسند ٤ / ١٢٢.
(٢) انظر الحاشية ما قبل الأخيرة.
(٣) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٩٣.
(٤) أخرجه البخاري في العلم باب ٨ ، ومسلم في السّلام حديث ٢٦ ، وأحمد في المسند ٥ / ٢١٩.
(٥) المسند ٢ / ٢١٣.
(٦) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٢١ ، والترمذي في الأدب باب ١١.