وأخرجاه في الصحيحين من حديث نافع به. وقال الشافعي : أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال : قال سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا» على شرط السنن ولم يخرجوه وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا فليح عن أيوب بن عبد الرّحمن بن أبي صعصعة عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن افسحوا يفسح الله لكم» ورواه أيضا عن سريج بن يونس ويونس بن محمد المؤدب عن فليح به ولفظه : «لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه ولكن افسحوا يفسح الله لكم» تفرد به أحمد (٢).
وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال : فمنهم من رخص في ذلك محتجا بحديث «قوموا إلى سيدكم» (٣) ومنهم من منع من ذلك محتجا بحديث «من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» (٤) ومنهم من فصل فقال يجوز عند القدوم من سفر وللحاكم في محل ولايته ، كما دل عليه قصة سعد بن معاذ ، فإنه لما استقدمه النبي حاكما في بني قريظة فرآه مقبلا قال للمسلمين «قوموا إلى سيدكم» وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه والله أعلم. فأما اتخاذه ديدنا فإنه من شعار العجم ، وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان إذا جاء لا يقومون له لما يعلمون من كراهته لذلك.
وفي الحديث المروي في السنن أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يجلس حيث انتهى به المجلس ، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس فكان الصحابة رضي الله عنهم يجلسون منه على مراتبهم ، فالصديق رضي الله عنه يجلسه عن يمينه وعمر عن يساره ، وبين يديه غالبا عثمان وعلي لأنهما كانا ممن يكتب الوحي ، وكان يأمرهما بذلك كما رواه مسلم من حديث الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ، ثم الذي يلونهم» (٥) وما ذاك إلا ليعقلوا عنه ما يقوله صلوات الله وسلامه عليه ، ولهذا أمر أولئك النفر بالقيام ليجلس الذين وردوا من أهل بدر ، إما لتقصير أولئك في حق البدريين أو ليأخذ البدريون من العلم نصيبهم ، كما أخذ أولئك قبلهم أو
__________________
(١) المسند ٢ / ٥٢٣.
(٢) المسند ٢ / ٣٣٨ ، ٤٣٨.
(٣) أخرجه البخاري في العتق باب ١٧ ، والاستئذان باب ٢٦ ، وأبو داود في الأدب باب ١٤٤ ، وأحمد في المسند ٣ / ٢٢ ، ٧١ ، ٦ / ١٤٢.
(٤) أخرجه الترمذي في الأدب باب ١٣ ، ولفظه : «من سرّه أن يتمثل له الرجال قياما».
(٥) أخرجه مسلم في الصلاة حديث ١٢٢ ، ١٢٣ ، وأبو داود في الصلاة باب ٩٥ ، والترمذي في المواقيت باب ٥٤ ، والنسائي في الإمامة باب ٢٣ ، ٢٦ ، وابن ماجة في الإقامة باب ٤٥ ، والدارمي في الصلاة باب ٥١ ، وأحمد في المسند ١ / ٤٥٧.