بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك.
ثم قال تعالى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي أرصد الله لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة وهي موالاة الكافرين ونصحهم ومعاداة المؤمنين ، وغشهم ، ولهذا قال تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر واتقوا بالأيمان الكاذبة ، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم ، فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الحانثة.
ثم قال تعالى : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي لن يدفع ذلك عنهم بأسا إذا جاءهم (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ثم قال تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) أي يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحدا (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) أي يحلفون بالله عزوجل أنهم كانوا على الهدى والاستقامة كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه ، ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة ولهذا قال : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) أي حلفهم بذلك لربهم عزوجل.
ثم قال تعالى : منكرا عليهم حسبانهم (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) فأكد الخبر عنهم بالكذب. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا زهير عن سماك بن حرب ، حدثني سعيد بن جبير ، أن ابن عباس حدثه أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان في ظل حجره من حجره وعنده نفر من المسلمين قد كاد يقلص عنهم الظل قال : «إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه» فجاء رجل أزرق فدعاه رسول الله فكلمه فقال : «علام تشتمني أنت وفلان وفلان» نفر دعاهم بأسمائهم ، قال فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا له واعتذروا إليه ، قال فأنزل الله عزوجل (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ).
وهكذا رواه الإمام أحمد (١) من طريقين عن سماك به ، ورواه ابن جرير (٢) عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن سماك به نحوه ، وأخرجه أيضا من حديث سفيان الثوري عن سماك بنحوه إسناد جيد ولم يخرجوه ، وحال هؤلاء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [الأنعام : ٢٣ ـ ٢٤].
ثم قال تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) أي استحوذ على قلوبهم الشيطان
__________________
(١) المسند ١ / ٢٤٠ ، ٢٦٧ ، ٣٥٠.
(٢) تفسير الطبري ١٢ / ٢٤.