الحجاز وبعد توفيق التشرّف إلى حجّة الإسلام وزيارة سيّد الأنام والأئمّة المعصومين عليهمالسلام تشرّفت في هذا السفر بخدمة الشيخ محمّد بن الشيخ حسن بن الشيخ زين الدين العاملي ـ أطاب الله ثراه ـ واستفدت منه ، وأخذت منه إجازة الحديث أيضا.
وفي أثناء عودتي من هذا السفر أصابتني مصيبة شديدة بسبب قطّاع الطرق ، إذ قتل بيدهم أخي الذي كان أعزّ عندي من نفسي ، وقد وصل إلى رتبة الاجتهاد وهو في الثامنة عشر من عمره ، وقد جمع له مع الذكاء البالغ الدرجة العالية من التقوى والفهم الصحيح والذهن الوقّاد وجودة الطبع ؛ وكان في الموافقة والمناسبة والمؤالفة معي إلى حدّ تحسبنا روحا في بدنين وكنا رفيقين شفيقين ومونسين وظهيرين ـ أطاب الله ثراه وجعل الجنّة مثواه ـ. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ولم أزل بعد هذه المصيبة العظمى كنت طائفا في البلاد متفحّصا عن العلم والكمال ، وحيث اشير إلى أحد بأنّ عنده شيئا من الكمال سعيت إليه سحبا على إلهام لا مشيا على الأقدام ؛ ومستفيدا منه بقدر الإمكان والاستعداد.
حتّى وصلت في بلدة قم ـ الطيّبة ـ بخدمة صدر أهل العرفان وبدر سماء الإيقان صدر الدين محمّد الشيرازي ـ قدّس الله روحه وسرّه ـ وكان في علم الباطن وحيد دهره وفريد عصره ، فأقمت عنده ثماني سنين مشتغلا بالرياضات والمجاهدات ، حتّى حصل لي ـ في الجملة ـ بصيرة في علم الباطن ، وتشرّفت في الأخير بمصاهرته الشريفة.
ولما عزم على التوجّه إلى شيراز سرت معه ، وبمقتضى (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) [٢٨ / ٢٧] أقمت عنده قرب سنتين أيضا ، واستفدت من بركات أنفاسه الطيّبة كثيرا.
ثم عملا بنصّ كريمة (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [٩ / ١٢٢] رأيت من الواجب الرجوع والاشتغال بتدريس أحاديث أهل بيت العصمة والالتجاء إلى زاوية والاهتمام بالجمعة والجماعة وتأليف الكتب والرسائل ، ونصيحة العوام وبيان المسائل.