خاطري أن أسعى في معرفة أسرار الدين وعلم الراسخين ، لعل النفس تحصّل بذلك كمالا ، إذ لم يكن للعقل إليه طريق ، ولم ينفتح للنفس ـ بما حازت من الدرجة الإيمانية ـ باب ، ولا تصبر على الجهالة ، وتؤلمني على الدوام.
فبناء على هذا خضت برهة في مجادلات المتكلمين ، وكنت ساعيا بآلة الجهل في إزالته ؛ وسرت اخرى في طريق مكالمات المتفلسفين بالتعلم والتفهّم ، ونظرت كذلك في ادّعاءات المتصوفة وأقاويلهم ، وبرهة بحثت في رعونات «من عنديّين» ؛ وكنت ألخّص كلمات هذه الطوائف الأربع في كتب ورسائل ، من غير تصديق بكلها ، ولا عزيمة قلب على جلّها ؛ بل أحطت بما لديهم في ذلك على التمرين زبرا ، فلم أجد في شيء من إشاراتهم شفاء علّتي ، ولا في أدواة عباراتهم بلال غلّتي ؛ حتّى خفت على نفسي ، إذ رأيتها فيهم من ذويهم ؛ فتمثّلت بقول من قال :
خدعوني نهبوني ، أخذوني غلبوني ، وعدوني كذّبوني ؛ فإلى من أتظلّم ففررت إلى الله من ذلك ، وعذت بالله من أن يوقعني هنالك ، واستعذت بقول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في بعض أدعيته : «أعذني اللهمّ من أن أستعمل الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ، ولا يتقلقل إليه الفكر».
ثم أنبت إلى الله وفوّضت أمري إلى الله ، فهداني الله ببركة متابعة الشرع المبين ، إلى التعمّق في أسرار القرآن وأحاديث آل سيّد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ وفهّمني الله بمقدار حوصلتي ودرجتي من الإيمان ، فحصل لي بعض الاطمئنان ، وسلب الله منّي وسواس الشيطان ـ ولله الحمد على ما هداني ...
ثمّ إني جرّبت الأمور واختبرت الظلمة والنور ، حتى استبان لي أنّ طائفة من أصحاب الفضول ، المنتحلين متابعة الرسول ، غمضوا العين ورفضوا الثقلين ، وأحدثوا في العقائد بدعا وتحزّبوا فيها شيعا ... ترى أحدهم مولعا بالنظر إلى كتب الفلاسفة ، وليس له طول عمره همّ سواه ، ولا يكون في غيره هواه ، من قبل أن يحكم علما شرعيا أصليا أو فرعيات ... وكأنّ هؤلاء القوم حسبوا أن من العلوم الدينيّة ما لا يوجد في القرآن والحديث ، ويفهم من كتب الفلاسفة والمتصوّفة ؛ والمساكين لا يعرفون أن الخلل والقصور ليس من القرآن والحديث ، بل الخلل في فهمهم والقصور في درجة إيمانهم ... وإذا كان الأمر