على هذا فلا تنفع مطالعة كتب الفلاسفة والمتصوّفة ، لأنهم لا يتمكّنون من معرفتها أيضا ... ولو أنّهم سعوا في تقوية إيمانهم وشرح صدورهم لعلهم وصلوا إلى ما فوق ذلك لو كانوا يعلمون ، وإلا فكلما خاضوا في هذه الامور صاروا أضل من حيث لا يشعرون ؛ ... فيا أخي قوّ إيمانك بالزهد والتقوى حتى تزداد علما وحكمة ، وإلا فلا تتعدّ طورك ، فرحم الله امرأ عرف قدره ولم يتعدّ طوره.
چو مستعدّ نظر نيستى وصال مجوى |
|
كه جام جم نكند سود وقت بى بصرى |
نعم إن شاهق المعرفة أشمخ من أن يطير إليه كل طائر ، وسرادق البصيرة أحجب من أن يحوم حوله كل سائر ...
فهذا الكلام مع المتصوفة وتابعيهم.
وأما مجادلات المتكلمين ومن عنديّين ، فهم كما قيل : «جمع فكّوا ربقة التقليد من أعناقهم ، ونكّسوا الفطرة الأصلية ، لم يقنعوا بظواهر النبوة ، وأحدثوا من عند أنفسهم كلمات بلا طائل ؛ لا تدعهم طباعهم أن يقلدوا ، ولا يعينهم التوفيق أن يحقّقوا ، (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) [٤ / ١٤٣]» ...
وليعلم أنّ هذه الطوائف الأربع وإن كانوا يسيرون في الحيرة ويجولون في الضلال إلا أن الإنصاف يحكم بأنّهم ـ على اختلاف مذاهبهم ـ لم يخرجوا بشيء من أقاويلهم وعقائدهم من الإسلام ، ولم يأتوا بما يوجب على أحدهم اسم الكافر ... فلا يجوز لعن أحد ممن كان على الفطرة بمجرد كونه ضالا ، ما لم يتحقّق كفره يقينا ، وما لم يثبت ثباته على كفره إلى أن أدركه الموت مستبينا ...». انتهى ما حكيناه من رسالة الانصاف.
فنقول الآن : أمّا ما نفهم من هذه الكلمات ، فهو السيرة التي سار عليها أغلب العلماء والمحقّقين والمفكّرين ، ولو صرت تسأل عن لسان حالهم تراهم يقولون ما قاله الفيض ـ قدسسره ـ فإنّ الإنسان ولد ولا يعلم شيئا ، ثم ذهب يتدرّج في سبيل الكمال والعلم ، ويصغي إلى ما يقوله كل طائفة ويفكّر فيه حتى ـ لو ساعده التوفيق ـ يخلص إلى الاعتقاد الصحيح ويصل إلى سبيل الرشد